الأحد، 25 أكتوبر 2015

التجديد : بين التطرف و الاعتدال و العزل و الاحتضان .

أحمد أرجيل

من الطبيعي جدا في زمن الانكشاف على العالم والاكتشاف أن يموج بلد كموريتانيا ـ كان إلى وقت قريب منتبذا قصيا عصيا على التكيف مع ثقافة المدنية والحداثة بحكم موقعه الجغرافي المحصور من كل الجهات بالعوائق الجغرافية ( الصحاري القاحلة و المحيط الأطلسي ) و ما فرض عليه ذلك الموقع من عزلة أنتجت بداوة متجذرة الأمر الذي يحجم ـ إن لم نقل يمنع ـ تفاعله وتكامله مع المراكز الحيوية التي تتحكم في حركة العالم ومسيرته نحو الرقي والتقدم ـ أقول أن يموج بما نشاهد الآن من صراعات و مشاحنات طائفية و تدافع بين ثقافة قائمة عتيقة مهيمنة على المشهد وبين رؤى جديدة تعمل جاهدة لإيجاد مواقع لها على الساحة الاجتماعية بعدما تأكدت أن تلك الثقافة لم تعد تمثلها أو تستجب لحاجاتها أو أنها لم تعد مجبرة على مسايرتها و الخضوع لها إذا كان قبولها سالفا بالجبر و الإكراه . ولا غرابة في أن تمس هذه الرؤى في بداياتها كل موروث قيمي في أثناء بحثها المتخبط عن الجادة الصحيحة بعدما فقدت الثقة في ما هو قائم و لما تهد بعد إلى البديل الأنجع والأسلم.                                                                                                           
وهذه القيم ميدان الصراع هي خليط عجيب تمتزج فيه الخرافة بالحقيقة والثابت بالمتحول و الدين بالعادة  مسيجة بالرؤية الخاصة والتفسير الذاتي للظواهر الحياتية المستند ـ غالبا ـ إلى المصالح الشخصية أو الفئوية التي أنتجتها وحمتها العزلة والعيش في حيز الفوضى ردحا من الزمن و الترعرع خارج نظام ملزم أو تحت رعاية سلطة سياسية جابرة .                          
و نتيجة لهذا التداخل والتماهي بين عناصر الثقافة العتيقة فإن الأنماط الجديدة المتمردة وهي في بداية اندفاعتها  لا تستشعر ضرورة غربلتها وتمييزها والفصل بين القيم الثابتة التي لا تقبل المساس أو الاقتراب وبين الاجتهادات المتجددة والمتغيرة حسب الظروف والأحوال وما هو متاح من أدوات التوظيف لهذا الاجتهاد أو ذاك .                                                                                                                          
ربما يرجع السبب في ذلك إلى الجهل بوجود هذه الفوارق ـ أصلا ـ و ربما يكون مع سبق إصرار وتبييت نية إلا أن كل ذلك يبقى قابلا للترويض و التهجين مادام ممارسة علنية ستتقوم ذاتيا بفعل تراكم التجربة و عاملي التأثر والتأثير بالتفاعل مع البيئة و المحيط و لا يعدو الشطط في الطرح الذي يعتري بعضه أن يكون تفريغا لمرارات و نفثا لآهات موروثة استوطنت البواطن و تصدأت في الصدور يساعد إخراجها على استعادة التوازن و الهدوء و التوطئة لعودة العقل بعد خمود جذوة العاطفة المجيشة المتغذية على الغبن و الإقصاء و المظلومية التاريخية وعلى الرغم من الشدة و الحدة اللتين تصطبغ  بهما بعض الخطابات فإن عزلها وتركها تنمو منفردة و تتكاثر سفاحا مع ذاتها دون أن تتلاقح التلاقح الطبيعي مع مجتمعها و محيطها يبقى أشد و أنكى .                                                                                                                                                              
كانت لحظة اكتشاف العالم لحظة فارقة في حياة البلد نظر فيها المجتمع نفسه بعين الناقد المقارن وقاس درجته بالمعايير العالمية وعرض ثقافته وفهمه للحياة على موازينها فأكتشف انتماءها إلى غابر العصور و تخلفها وتأخرها وكمَّ وحجمَ الغبن الهائل الذي يعاني منه الكثيرون فانفلتت المشاعر و كوامن النفوس من عقلها منادية على نفسها بالمدروس و المرتجل و الراشد و السفيه من الوسائل والأدوات في رحلة بحث صاخبة ومضنية عن الذات و الحقوق تقودها العواطف و الانفعالات و يسيطر على أدائها ضيق الأفق و محدودية الرؤية  ويزيدها التصاقا بذلك النهج ما تقابل به من رفض و تسفيه و وسم بالعمالة فلا تجد مناصا من التشدد و التكتل حول الذات لخلق هوية خاصة تجتذب الآمل و المحبط و المؤمن و من تكلف  فتتوطد الفئوية و تترسخ  و يقتصر الهدف ـ في أحسن الحالات ـ على ترقيعات فئوية بحجة المشاركة سرعان ما تتكشف سرا بيتها  و بعدها عن الصواب ، بل وتأسيسها لميلاد كون فدرالية شرائحية قاتلة تتقاسم الموارد و النفوذ وفقا لمحاصصات لا تقيم للكفاءة وزنا و لا للفرد خارج الفئة قيمة أواعتبارا .                                                                                                                                               
بات لزاما ـ في ظل هذه الأوضاع ـ طرق باب تحاشى كثيرون الخوض فيه خشية التصنيف الذي يستخدم من قبل " المحافظين " ـ حتى يكون التوصيف  مهذبا ـ خنجرا للطعن في خاصرة إرادة التغيير وللإجهاز على الثقة التي يلزم بناؤها وجود آراء مستقلة غير محسوبة على توجه ولا تيار وتحتفظ لنفسها بهامش حركة واسع يمنحها القدرة على مخاطبة أكثر من جهة و العمل مع أكثر من تيار لخلق بيئة ثقافية خصبة تستنبت الإصلاح و تساهم في تسويقه و إيصاله إلى جميع الفرقاء  .                                                                                                  
و تجدر الاشارة هنا إلى أن ما تغص به هذه المرحلة في ظاهره تجاذبات و تشنجات فئوية أما في حقيقته فإنه إعادة تشكل ثقافية معقدة و ولادة قيصرية لمستوى جديد من الوعي لم تسلم منه أمة من الأمم في لحظة اكتشاف زيف المسلمات و قصورها عن توفير الحاجة و لحظة الإفاقة من سكرة الأمنية على الحقيقة و الواقع و اكتشاف الفجوة السحيقة بينهما ، كما يمكن اعتباره أو تحويله بقليل من الحكمة و الاحتراف إلى غزل ثقافي مقدمة لتزاوج طبيعي يجسر الهوة بين المحافظة والتجديد و المبدإ و الاجتهاد و التمادي في الظلم و المبالغة في التظلم .                                                                                                                                                                                                                                       
وبالاقتراب أكثر من تفاصيل المشهد الموريتاني و تحديدا في مجتمع البظان ( كما يحلو للبعض تسميته و أنا منهم طبعا ) تبرز كتجل لهذا الرفض والصراع بعض العناوين الأكثر حضورا  وتعبيرا والتي سأكتفي منها ب " إيرا و حراك لمعلمين " في إشارة موجزة إليهما مثالا لا حصرا ، ( للموجود والمرتقب ) تحاول النفاذ إلى عمق المنظومة الثقافية التي أنتجتهما و وفرت لهما الظهير و المسند ، و كعرض من أعراض التدافع الثقافي الضروري في حياة الأمم و غيض من فيض غبارها و هي تقد السير في رحلتها الأبدية نحو الكمال  ، كما و باعتبارهما وضعا قائما له ماله وعليه ما عليه لا ينبغي تجاهله بغض النظر عن تبنيه أو رفضه .                                                                                               
لست هنا في وارد التزكية أو الإدانة لأشخاص الحراكين و لا يعنون ( الأشخاص ) لي شيئا على الاطلاق في حين تعني لي طروحاتهما و منطلقاتهما كل شيء و سأكتفي بذكر الدافع المعلن لكليهما دون التطرق إلى مصداقية الأشخاص و عمالتهم و ما يشاع  من ذلك هروبا و تهربا من مواجهة استحقاقات آن لها أن تؤدى و لم يعد ممكنا تسويفها حتى لو اتفقنا ـ جدلا ـ أن رافعها هو الشيطان الرجيم كما سأذكر ما أعتقد أنه أخطاء واقعة منهما و تجاههما على حد سواء لعل في ذلك ما يساهم في توضيح الرؤية و تجلية الاحتياج و ترسيخ مفهوم التعايش مع الاختلاف دون الانجرار إلى التخندق أو التعصب ، فبقدرما لم يعد مقبولا أو ممكنا اختزال الرؤية الجمعية وحصر التصورات في الثقافة التقليدية أو التسليم بدكتاتورية الموروث و سلطته المطلقة فإنه يجب ـ أيضا ـ الوقوف بحزم أمام أي مسلك من شأنه أن يدعم فكرة الرمز العظيم أو الرمز المؤله سواء كان فردا أو كان شريحة .                                                                                                                               
و يبدو أن مدرسة التعظيم والتأليه التي كانت تحتل موقع الصدارة في الثقافة العتيقة و تسيجت بها مقاماتها المصطنعة و تترس بها منطقها السقيم وحمته من النقد و الغربلة  قد ألقت بظلالها على الجميع ووزعت بينهم فكرة "ضرورة الانتماء إلى شيء مميز عال " فارتهنوا لها و بدؤوا بصناعة آلهتهم و أربابهم و مرجعياتهم المقدسة و نسوا أو تناسوا أن معاناتهم ما كانت لتكون لولا تلك الأفكار التأليهية و تلك القداسات ( على وزن أيامات )  التي أضفت على البعض العصمة و جعلت اجتهاده في مقام التنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .                                                                                                  
رفعت حركة إيرا مسألة العبودية و ما كانت تعانيه شريحة العبيد ( الحراطين ) من مآسي لا يمكن مقارنتها بأي معاناة أو مأساة عاشتها فئة أخرى فهي ليست معصومة الدماء و بلا ديات و إنما لها أثمان تنقص بعيوب منها الزواج و إحصان الفروج المطلوب شرعا ولم يمنع من حق التملك و يحرم العيش في كنف عائلة بعمليات البيع و التنقل المستمر بين الملاك و المناطق غيرها و لم تنزع الولاية عمن تحت القوامة من زوجة و أبناء إلا منها هي وهذا اقتباس من تعليق لي سابق على أحد المناشير يُوصِّف معاناة هذه الشريحة : (( لم تعاني شريحة الحراطين التهميش و الإقصاء إلا مؤخرا ـ شأنها في ذلك شأن باقي الفقراء و من لا يمتلكون الجاه أو المال أو العلم  من الشرائح الأخرى ـ ذلك أن ما كانت تعانيه سابقا كان استئصالا بكل ما تحمله الكلمة من معنى و على كل جوانب حياتها فاستؤصل عقلها بالتجهيل و استؤصلت طهارتها بإشاعة البغاء بينها و عدم إنكاره عليها و إقناعها بمنزلة هي أقرب إلى منزلة الحيوان فاستمرئت الواقع و وأدت ضمائرها في رماله علها تعيش بسلام خلية من الصراع الطبيعي بين الضمير الحي الذي ينزع إلى الطهر فطرة و بين الغرائز التي لا ترحم و المستحكمة في نفوس مكدودة لا تجد في المحيط مواسيا أو منسيا للهموم غير الانغماس في الرغبة و  إشباع الغريزة حد السكر أو الغيبوبة ، كما استؤصلت اجتماعيا بوسائل التفريق المختلفة حيث ترتحل البنت المتزوجة من قبيلة أخرى بالبعض و يباع البعض لقبيلة أخرى فينتمي لها عرفا ما يعني استئصال نواة مجتمع ذي علاقة عرقية تتداخل فيه العمومية مع الخصوصية فيلجم توجه الفرد في التصرف بذاته بخطام الإرادة الجمعية لمن يرتبط بهم عضويا مع ما يوفره ذلك من بناء الخصوصية و حمايتها و إنتاج ما تدعو إليه الحاجة من القيم و المبادئ و الحمية العصبية و تبدأ رحلة التأسيس من جديد و يبدأ الركض الحثيث خلف سراب و وهم العائلة و العصبة .                                                                                                                 
و للإنصاف لم يقتصر امتلاك العبيد ( الحراطين لاحقا ) على شريحة دون أخرى فقد أمتلكهم الجميع الزوايا و حسان و إيكاون و المعلمين و ( الحراطين إلى حد ما ) و من لم يمارس عليهم ما ذكرت فذلك منه منة لا تلزمه به الأعراف الاجتماعية التي تربى عليها ( إلا من رحم ربي )  و من الطبيعي جدا أن تجد من بين أبنائها من يثور على هذا الواقع أو التاريخ ـ لأن الأمر لم يعد واقعا و إن ظلت بعض آثاره بارزة للعيان ـ و من الطبيعي أيضا إن تمر تلك الثورة أو ذلك الرفض بمراحل النمو التي يمر بها الإنسان من الجنينية إلى النضج  مرورا بالصبا و المراهقة مع ما يصاحب ذلك من سقطات و مآخذ تستمد مبرر تفهمها من مرارة الدافع و نبل الهدف و قلة التجربة  . و يتوجب على الجميع حمايتها من خطر الانعزال و التقوقع و ذلك بالاستماع و الاحتضان و الترفق الأمر الذي يسهم في نزع الشعور بالظلم و يساهم في بروز رؤى جديدة داخلها لا تنظر إلى التاريخ كمحرك و إنما تجد في المستقبل باعثا على الحركة و الأمل مع ما يتطلبه ذلك من حسابات تأخذ الشركاء و تأثيرهم و وسائل كسبهم بعين الاعتبار .  ))  و من دواعي الأسف أن النصوص القانونية المكلفة بعلاجه تعطل في جل الحالات ـ إلا أن رؤيتها ( إيرا ) لم تستطع تجاوز تلك المرارة و فشلت أدبيا في توظيفها التوظيف الصحيح الذي يقدم الحلول الجزئية في إطار شامل يرفع شبهة العنصرية و الطائفية عن خطها و خطابها  كما أن الزي الموحد الذي يلبسه بعض منتسبيها يعطيها شكلا ميليشاويا يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن سلميتها ظرفية أو حتى أنها ليست سلمية و أن هذه اللاسلمية متدرجة و تستخدم الآن العنف اللفظي استخداما مفرطا و يطالعنا بين الفينة و الأخرى ـ و هو ما يحتم على العقلاء منها الإدانة و البراءة ـ  شباب ممن يدعون الانتماء إليها على الفيس و هم يحملون السلاح و يدعون إليه فيتذكر الآخر قصيدة نصر بن سيار (( أرى تحت الرماد وميض نار .... ))  .                                                                                               
و قام " حراك لمعلمين " على أساس مقاومة الدونية و محو مياسمها التي طبعها المجتمع التقليدي عليهم ردحا من الزمن حتى استكانوا لها إسمتراء أو تسليما ، وكانت لفظة ( لمعلم ) مقترنة زورا في ثقافة المجتمع بالشراهة و الكذب و الجبن و إخلاف الوعود والغدر بالعهود و دونية النسب بل و النسبة لغير آدم و تارة النسبة لفرعون و أخرى لليهود و هذه العناوين لا شك أنها محركة للإنسان و دافعة إلى المقاومة و التمرد و ( حراك لمعلمين ) بذلك المعنى يكون إيقاظا لهوية منومة و بعثا للروح من جديد في جسد أبلاه العزل و قتله الاحتقار و الجحود قرونا ، و عملا محمودا لرفع ظلم اجتماعي و  ثقافي ماحق و رفضا لواقع محاد لله و مجانف للفطرة السليمة التي فطر عليها القلوب و الألباب و هو عمل لا خلاف على مشروعيته و وجوبه إلا أنه من جهة أخرى كان خطابه أميل إلى التاريخ و التفاضل و التفضيل و التغني بالشريحة لإثبات حقها في رفع الظلم و فاته أن الحق في ظل الدولة الحديثة مكفول للعالم و الجاهل للصالح و الطالح . و بالغ بعضهم ـ أو لنقل ـ أكثر من البكاء على الماضي و قدم من ذلك أكثر مما أقترح من الحلول للمستقبل و يطرح بعض قيادييه خيار المحاصصة ـ صراحة ـ كحل مؤقت بديلا للإقصاء و التهميش ريثما تنضج الدولة و تبلغ سن الرشد ، و هو حل برأي أبتر سينقل المعركة إلى داخل الشريحة نفسها لمحاصصة الحصة و لا تسأل عما يستتبع ذلك ويلات كما أنه يضاعف الجهد في الحد الأدنى فأنت تهدر وقتا و جهدا في بناء مرحلة و ذات العوائق و العراقيل تظل قائمة عندما تنتقل ـ حسب رأيك ـ إلى المرحلة الاخرى  و فضل بعضهم شريحة لمعلمين على غيرها من الشرائح فعزا لها كل فضل في الصناعة و العلم و الإنتاج و الأمن حتى قال  (( لولا لمعلم لما قامت لأحد من البظان قائمة )) ، ولاشك أن هذه المجالات قاطبة أسهم فيها لمعلم بشكل معتبر و أساسي إلا أن التركيز عليه كعنصر وحيد فيها هو مجانفة للحقيقة ـ أولا ـ و إقصاء ـ ثانيا ـ   للآخرين ممجوج و مرفوض و هو سعي ـ ربما غير مقصود ـ إلى تكريس الشريحة " الإله " أو شعب الله المختار تماما كسيف الإسلام و حجته و كسمية لحوم العلماء التي تحصن بها الاجتهاد و أجلَّت العالم عن الزلل و الخطأ في ضرب واضح و فج لعرض الحائط بصريح التنزيل وصحيح السنة و مقبول المأثور قال تعالى { ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))146} و في الحديث :{ حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ محمد بن غالب ، ثنا شهاب بن عباد ، ثنا عبد الله بن بكير ، عن حكيم بن جبير ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : " القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة . قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ، وقاض عرف الحق فجار متعمدا فهو في النار ، وقاض قضى بغير علم فهو في النار  .                                                                                                                   
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وله شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم . انتهى    . و ينسب  للشافعي رحمه الله : (( رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب )) و كل ذلك يؤكد أن  العلم ليس بالعصمة للعالم و لا قطعية على صحة اجتهاده مع الاحتفاظ للعلم بقيمته و بركته و للعالم بمقامه العالي و منزلته السامية .                                                                                               
وعلى تفاوتهما في حدة الطرح و الجرأة في النقد وفي الاقتراب من المناطق المحظورة فإن اشتراكهما في المظالم التاريخية و رفعهما مطالب تخص فئات بذاتها أجاز طرحهما وجهين لعملة واحدة وهما لسان الحال  الناطقة عن باقي الفئات و الشرائح المصنفة سفلى في المجتمع والتي ما زالت صامتة حتى حالآن صمتا لا يلبث أن يتحول إلى همهمة فدمدمة فصيحات مدوية ((مهددة بالويل والثبور و عظائم الأمور)) ما لم تتم معالجة الأسباب في إطار من العدالة الشاملة تتجاوز ضيق المظلمة  التاريخية والفئوية إلى الفضاء الرحب للآلام والاحتياجات الواسعة والمتسعة باضطراد للمجتمع و الدولة .                                                                   
و من جهتهم ما كان " المحافظون " أكثر حظا من النضج و لا أبعد توفيقا في تعاطيهم معهما فتراوح الرد بين النكران و الاحتجاج بوجود قانون لمعالجة هذه القضايا متناسين أنه و في حقيقته أعرج في بعضه و مقيد بالأعراف و المقامات في البعض الآخر ، و بين الرمي بالعمالة و تهديد الأمن الداخلي و تعريض الوحدة الوطنية للخطر في جهل صارخ و تجاهل مقيت لمتطلبات كل تلك العناوين من الاحتضان و الاحتواء و الاستماع و العدل تمهيدا للتعامل الجدي بعد ذلك مع أي عرض شاذ يخرج عليها أو يتبنى طرحامتطرفا .                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   

السبت، 17 أكتوبر 2015

تعزية و تهنية للعامين الهجريين المنتهي و المبتدئ

أحمد أرجيل

عجبا لسبحة الحياة المتتالية الخرزات مبنى و المتعاكسة ذات الخرزات مضمونا و معنى و السائرة سيرا منتظما سلسا لا ارتجاج فيه يخل بذلك الانتظام أو يحدث تلكئا في تلك السلاسة حتى لكأنها عقد من الجواهر النفيسة صيغ خصيصا لأميرة جميلة ليلة زفافها ، فرغم التعارض البارز شكلا و جوهرا يظل إيقاعها متناغما منسابا لا يستطيع أي منها التفرد بالجادة أو الهيمنة على السبيل و لا يستساغ منه ذلك لو رامه أو هم به و كأن هذا التجاور  لتلك الأضداد ولد شرحا بينا يحتاجه كل معنى على حده .
فهاهي البداية أصل الأشياء و أساسها الذي عليه ينبني باقيها و تعني في حقيقتها الشروع في نموها و ازدهارها تذكر دائما بالنهاية نقيضها و غريمها اللدود بل أكثر من ذلك نراها ( البداية ) و هي تكافح المؤثرات بعنفوان مجتهدة في الترسخ و التوطد تربي أجنة النهاية و أسبابها ، فعثرات البداية و سقطاتها تمارين تمد المبتدئ بالقوة الجسدية و تجارب تنمي العقل و تثري الخبرة في مرحلة من مراحل الحياة إلا أنها في مرحلة أخرى تتحول إلى أسباب و عوامل للضعف و الوهن و فقدان الذاكرة . و بهذا المعنى اشتركت الرائعتان ( مرثية حسان بن ثابت رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه و سلم  و مديحية أحمد شوقي رحمه الله له ) في الروعة ا لجمال رغم تناقض المناسبتين فهذى تتغنى بالبداية و تلك تولول على النهاية .     
ولد    الهدى    فالكائنات    ضياء   ***   وفم     الزمان     تبسم      وثناء
الروح    والملأ    الملائك    حوله   ***   للدين     والدنيا     به      بشراء
والعرش   يزهو   والحظيرة   تزدهي   ***   والمنتهى     والسدرة      العصماء
وحديقة   الفرقان   ضاحكة    الربا   ***   بالترجمان        شذية        غناء
  والوحي  يقطر  سلسلا  من  سلسل   ***   واللوح    والقلم     البديع     رواء
  مديحية أحمد شوقي رحمه الله للرسول صلى الله عليه و سلم . أهنئ بها العام الجديد .
بطيبةَ رسمٌ للرسولِ ومعهدُ ** منيرٌ، وقد تعفو الرسومُ وتهمدُ
ولا تنمحي الآياتُ من دارِ حرمةٍ ** بها مِنْبَرُ الهادي الذي كانَ يَصْعَدُ
ووَاضِحُ آياتٍ، وَبَاقي مَعَالِمٍ ** وربعٌ لهُ فيهِ مصلىً ومسجدُ
بها حجراتٌ كانَ ينزلُ وسطها ** مِنَ الله نورٌ يُسْتَضَاءُ، وَيُوقَدُ
معالمُ لم تطمسْ على العهدِ آيها ** أتَاهَا البِلَى، فالآيُ منها تَجَدَّدُ
عرفتُ بها رسمَ الرسولِ وعهدهُ ** وَقَبْرَاً بِهِ وَارَاهُ في التُّرْبِ مُلْحِدُ
ظللتُ بها أبكي الرسولَ، فأسعدتْ ** عُيون، وَمِثْلاها مِنَ الجَفْنِ تُسعدُ
تذكرُ آلاءَ الرسولِ، وما أرى ** لهَا مُحصِياً نَفْسي، فنَفسي تبلَّدُ
مفجعةٌ قدْ شفها فقدُ أحمدٍ ** فظلتْ لآلاء الرسولِ تعددُ
وَمَا بَلَغَتْ منْ كلّ أمْرٍ عَشِيرَهُ ** وَلكِنّ نَفسي بَعْضَ ما فيهِ تحمَدُ
أطالتْ وقوفاً تذرفُ العينُ جهدها ** على طللِ القبرِ الذي فيهِ أحمدُ
فَبُورِكتَ، يا قبرَ الرّسولِ، وبورِكتْ ** بِلاَدٌ ثَوَى فيهَا الرّشِيدُ المُسَدَّدُ
وبوركَ لحدٌ منكَ ضمنَ طيباً ** عليهِ بناءٌ من صفيحٍ، منضدُ
تهيلُ عليهِ التربَ أيدٍ وأعينٌ ** عليهِ، وقدْ غارتْ بذلكَ أسعدُ
لقد غَيّبوا حِلْماً وعِلْماً وَرَحمةً ** عشيةَ علوهُ الثرى، لا يوسدُ
وَرَاحُوا بحُزْنٍ ليس فيهِمْ نَبيُّهُمْ ** وَقَدْ وَهَنَتْ منهُمْ ظهورٌ، وأعضُدُ
يبكونَ من تبكي السمواتُ يومهُ ** ومن قدْ بكتهُ الأرضُ فالناس أكمدُ
مرثية حسان بن ثابت رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه و سلم . أعزي بها العام المنصرم .
فيا أيها الحي لا تعميك قوة البداية و عنفوانها عن ضعف النهاية و خذلانها .

                                                             { (( كل عام و أنتم بخير )) }

الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

الهموم و فقه الأولويات


أحمد أرجيل
تتشكل قطرات مياه بيضاء في عين العلاقة بين بعض مكونات المجتمع الموريتاني منذ بعض الوقت متحولة شيئا فشيئا إلى معضلة حقيقية ستؤثر سلبا ـ لا محالة ـ على الرؤية السليمة المفترضة لشكل هذه العلاقة التي تستمد جذورها من ثلاثية أصل الحقوق في الإسلام فِطْرَةً و هي ثلاثية الدين و القرابة و الجوار .                                                                                                                                       وتتكون هذه القطرات دائما من سخونة و ارتفاع حرارة القضايا الخارجية و على رأسها القضية الفلسطينية , فمع كل هبة مستحقة لنجدة الإخوة هناك يجد بعض شركاء الوطن أنفسهم مسرحا لجملة من الأسئلة المقلقة و المشروعة تماما رغم حساسية و حرج توقيتها و هي أسئلة تتمحور حول الأخُوَةِ الوطنية و تأثيرها على حياة الناس و تأثرها بأخُوَّاتٍ أخرى سياسية و ثقافية خارج الحدود و داخل الخط و الأيديولوجيا . أسئلة من قبيل لماذا غزة ؟ و هي المدينة العصرية التي تعيش في قلب القرن الحادي و العشرين بكل تفاصيله و معطياته العلمية و التي تتربع على من بنية تحتية تفتقر إليها عاصمتنا السياسية " نواكشوط " . لماذا الفلسطيني ؟ الذي يعيش في قلب العالم و يواكب التطور العلمي بشكل حثيث و قد تحملت المؤسسات الأممية و الدول المانحة معظم تكاليف تعليمه و صحته و إعمار أراضيه . هل يجب أن يكون العدو بشرا متوحشا محتلا قاتلا تقطر سكاكينه دما حتى يستوجب تدخل الإخوة و مؤازرتهم ؟ ، لماذا ليس الداخل الموريتاني ؟ حيث تجمعات المواطنين الذين يعيشون على هامش الهامش تفترسهم الكوارث الطبيعية تباعا و تنقض عليهم قسوة الحياة بذات الأدوات و التكتيك و ينتقل بينهم الجهل من سلف إلى خلف . لماذا ليس الإنسان الموريتاني ؟ الذي يعيش خارج الزمن في الأرياف و ينحصر حلمه في أن يجد قوت يومه أما العلاج المناسب و التعليم اللائق و تأمين الغد فذاك عين الترف الذي لا يمكن لأكثر أفراده تفاؤلا أو جنونا التفكير به .                                                         أسئلة بطعم الحنظل و ألم الفراق لا يطرحها كره فلسطين و لا عدم الإحساس بما تعانيه إنما يدفع بها من الأعماق ملفوفة بوشاح سميك من الأسف و الحرج الشعور بالإحباط الناتج عن فقدان الثقة في الشركاء في ثلاثية الدين و القرابة و الجوار ، فحين ترى خيرات بلدك ـ حتى و هي أملاك خاصة لأصحابها مطلق الحرية في التصرف بها ـ تهتم بحل مشاكل الإخوة الأباعد و تغفل همومك و مشاكلك و أنت مغترب ذليل أو طريح مرض عضال في بلدك و كل حلمك أن تجد شربة ماء أو أن يتوفر لك كفن ، يستعصي عليك كبحها فتنفلت منك مضرجة بدم الفؤاد . أليس من الأولى و الأجدى أن نلتفت إلى الداخل حتى نؤهل ماديا و علميا و صحيا و اجتماعيا جيش الفقراء العالة هذا ثم نتطلع به و بإمكانياته إلى التأثير في حياة الآخرين و قضاياهم إيجابا ؟ .                                                                                                                                                            لا شك أن الوقوف قلبا و قالبا مع الشعب الفلسطيني واجب تمليه العقيدة و روابط القربى إلا أن الاندفاع إليه بهذا القدر من الحماسة و الذي يقابله برود يصل حد التجمد أو تعاط بنكهة ذر الرماد في العيون حيال مشاكل يعيشها معظم المواطنين هي أكثر إلحاحا و أقل تكلفة و أكثر قابلية للتأثر ، يعمق الهوة بين مكونات المجتمع و يلقي بظلال من الشك على إمكانية إقامة مجتمع متجانس يؤسس لدولة العدالة التي يسترخص الإنسان نفسه و ماله و ولده في سبيلها ، و يصب حتما في مصلحة قوى التطرف و الإرهاب و يقوي أسباب التنافر بين المكونات الاجتماعية الأخرى حتى أصبحنا نسمع في خضم هذه التراشقات من يدير ظهره لفلسطين و من يعلن صراحة أن ترابها أهم عنده من فقراء موريتانيا و ضعفائها ، و ذلك هو الصريخ و النذير و هو " وميض النار تحت الرماد " .                                                                                                   

الاثنين، 20 أبريل 2015

السجال الصفري

                                                                                                 
أحمد الرجيل
 
تكشف كل هزة تتعرض لها موريتانيا أن انفصاما في الشخصية متأصلا يسكننا و يهيمن هيمنة مطلقة على تعاطينا معها و ردات فعلنا عليها و يتجلى ذلك بوضوح في التعاطي المقزز مع الإساءات الدينية و التطاول على الذات الإلهية (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون )) و مقام النبوة الكريم المعصوم الذي أصبح ديدن البعض و مؤشرا على حركة دائبة تملأ رويدا رويدا  ما فرغ من أفئدة بفعل التوظيف  المفضوح للدين و القيم النبيلة و تسخيرها لمآرب أخرى و بات لزاما على الجميع التعاطي معها بحجم خطورتها و الابتعاد عن دفن الرؤوس في الرمال و تفسيرها بالتزلف للغرب وكونها أقصر الطرق للحصول على اللجوء .                                                                                                                                                                           و في الوقت الذي يتخبط فيه البلد و يسير حثيثا على غير هدى إلى غير هدف بسبب غياب الحكم الرشيد و البروز اللافت للزندقة و الإلحاد و في الوقت الذي يفرض النضج و التعقل علينا التكاتف حيالها و العمل معا لخلق بيئة صحية تستطيع لملمة الشتات و دهن الشعث و الوصول إلى درجة من الانسجام ـ ولو كانت بتأجيل المهم لصالح الأهم ـ تمتلئ فضاءات التواصل الاجتماعي بما يمكن نعته بالتوظيف غير الموفق من حيث التوقيت لخطايا و سيئات يتجاوز وقعها الحيز الجغرافي و الروحي لموريتانيا إلى مليار و نصف مليار مسلم في كل أنحاء المعمورة و هو أمر إن لم يتنبه له الجميع سينزع كل شرعية عن أي جهد نضالي يهدف إلى إعادة التوازن للتركيبة الاجتماعية و إعادة صياغة ثقافة مجتمعية تخدم السلم الأهلي و الوحدة الوطنية بإنصاف الجميع و بمحو الظلم و آثاره عمن لا يزال يعانيه .                                                                                                                                                              عندما تم تمزيق المصحف الشريف ثارت ثائرة البعض بلا بصيرة و هاجم المصالح العامة و الخاصة نصرة للقرآن الكريم و كأن أولئك المساكين الذين أوذوا في كتابهم المنزل ومصدر عقيدتهم هم من مزقوه و هدد هذا البعض ـ بصفته و شخصه و على مرأى و مسمع ممن يعنيهم الأمر ـ بالويل و الثبور إن لم تقبض الحكومة على الفاعل المستتر مما يعني أن الضمير العائد إليه تحدد في خيالاتهم فحاكموه و أدانوه بأدلة فهمهم أو أوهامهم و قرروا إلزام الآخرين التوقيع على حكمهم ذاك .                                                                                                                   وعندما حدثت جريمة ول أمخيطير أدانه الجميع غير أصوات نشاز على تفاوت في تلك الإدانة بَيِّنٌ و احتدم صراع مرير بين من أجمعوا على ذلك فطالب البعض بإعدامه حدا و لج في ذلك و نعته ب ( افريخ لمعلمين ) في محاولة واضحة للتأثير سلبا على (حراك لمعلمين ) الذي بدأ يشق طريقه ثابتا و رقما واعدا في المعادلة الوطنية و تناسى هذا البعض سرعة تبرؤهم منه و خصوصا أسرته ـ كما قيل ـ و أنه لم يكن ممثلا و لا ناطقا باسمهم حين كتب مقاله السوءة  .                                                  وتبرأ لمعلمين منه تبرأً لم يستطع الإفلات من شراك الكيد فطفقوا يخصفون على غليان المجتمع و تشدده تجاهه من التعليلات و القراآت الذهنية ما زاد الطين  بلة و أنه ما كان ليحظى بذلك القدر من الإدانة لو كان ينتمي لأحد البيوتات الكبيرة حسب التوصيف الاجتماعي و ذات السجال و الدوران في الحلقة المفرغة تتكرر بعد مصافحة منت أصوينع لبعض الدبلوماسيين و عقدت المقارنات بينها و بين حادثة مشابهة حدثت مع منت مكناس .                                                                              ثم كانت الطامة الكبرى و التي يشيب منها الوليد و يطيش من هولها لب اللبيب وهي إساءة ول إلمامي التي لا تفيها كل نعوت البذاءة نصيبها و ما تستحق من ذلك فكانت فتحا جديدا لهواة المناكفات و اللجاج و حلبة رحبة لمحترفي العراك و المصارعة و لم تسلم من تداعياتها خطبة إمام جامع محمد بن سعود و فسرت الصغار و المسكنة الواردتين فيها تفسيرا متحيزا و متهما و على أنهما دليل حنو و اعذار في حصرية ممجوجة للمعاني اللغوية و إجتزاء غير مستساغ قال تعالى ((قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ )) و في معجم المعاني الجامع: (( المسكنة : فقر وضعف و حرص على طلب الدنيا )) و كفى به مذمة و لا أزكي الخطيب و لا أنفي عنه أي شيء يقال عنه لأني لا أعرفه و أمره لا يعنيني من قريب و لا من بعيد و حميتي هنا للغة و اللغة فقط .                                                                                                                                                                       يبقى القول أن كفى تماديا في السذاجة و الغباء و اعتبار الزندقة و الإلحاد تزلفا للغرب و حيلة تستوهب اللجوء فكل ذلك كذب و دجل تمليه عقدة الكمال التي نعيشها و التي تحتم علينا نكران كل منقصة نعلم يقينا أنها موجودة وسافرة . كما أنه لمن العجز المفضوح أن نتسمر في مواقفنا و نتجمد في مواقعنا و لا نستطيع استثمار المشترك بيننا إجماعا و أن نتصيد في ما تعكر من مياه الحياء و ما تجدب من صحاري النفوس رغم ندرت الطرائد .                                                                                                   

الثلاثاء، 31 مارس 2015

عاصفة الحزم تنعش الأمل في غد عربي

أحمد أرجيل
ترفع " عاصفة الحزم " سقف الآمال للشعوب العربية بما كشفت من إصرار على الدخول بقوة  إلى مواطن التأثير وحماية المصالح و المجالات الحيوية و ما بشرت به من ميلاد لاعب جديد في منطقة الشرق الأوسط حيث مقومات القوة  و النفوذ و دعائمهما من الأموال و التحكم في جغرافية المصالح الدولية حيث تحتضن نسبة معتبرة من احتياطيات الطاقة في العالم و تمر منها خطوط إمداد حيوية إليه ما يمنحها ميزتي "الْمَصْدَرِ و الْمَمِرِّ" و ما يوفران من مردود مادي وموقع إستراتيجي .           ضف إلى ذلك موقع الصدارة التي تحتلها و المرجعية التي تمثلها لمليار و نصف المليار مسلم . فبعد عقود من الزمن كان دور الدول العربية في ما يخص قضاياها الكبرى يقتصر على التمويل بسخاء و التفرج باستسلام على الآخرين و هم يفصلون لها حسب أذواقهم و وفقا لأمزجتهم ها هي تكسر تلك القاعدة و تمسك زمام المبادرة في قضية بالغة الأهمية الخطورة تضعها على تماس ـ يصل حد الاحتكاك المباشر ـ مع قوى إقليمية و دولية ذات حضور عسكري و سياسي هام .                            وتتطلع الشعوب العربية إلى تغير حقيقي في المواقف تجاه بقية قضايا الأمة و إلى تشكيل قوة رادعة دائمة على غرار ما يحدث في اليمن تضطلع بدور الحامي لحماها المستباح منذ سنين ، و إلى تفعيل القوة الناعمة في القضايا التي لا تستطيع فيها التدخل العسكري المباشر بأن تستثمر قدراتها الاقتصادية و دبلوماسيتها ـ التي يبدو أنها لم تعد عديمة الفائدة كما كانت ـ للدفع بمآلات الأمور و نتائجها إلى ما يخدم هذه القضايا و على رأسها القضية الفلسطينية كما تتطلع إلى تكامل اقتصادي بين دولها يغري الأطراف بالالتفات حول المركز ما يمنحه المزيد من الوزن و الثقل في المحافل الدولية و يفيد هذه الإطراف من تجربة المركز و موارده و يخفف القيود على التنقل بينها بإلقاء التأشيرات ـ أو تسهيلها ـ على غرار الاتحاد الاروبي  .                                                                                                 و يمكن توظيف جملة من المعطيات في إنجاح توجه من ذلك القبيل إذا توفرت النية الصادقة و الإرادة الجادة لذلك و من هذه الأمور : 1 ـ التراجع و التآكل المطرد لمحور المقاومة المسلحة ( جناح إيران ) في والجدان العربي بفعل الدور في سوريا و ما جلبه من كوارث و مآسي دفعت معظم الذين يتعاطفون معه إلى منطقة التيه في توصيفهم لحقيقته و ما هيته فمن جهة يجد المرؤ نفسه مجبرا على إكبار و تثمين دور إيران في المواجهات بين حزب الله ( كونه مقاومة عربية كانت لها مكانة مميزة في الشارع العربي قبل قارعة سوريا الداهية ) و بين إسرائيل و كذلك الدعم العسكري البارز لحركات المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة ، إلا أنه بذات القدر من الاندفاع إلى التثمين يجد نفسه ـ أيضا ـ مرتعا للريبة و الشك و التوجس و هو يرى هذا الكم الهائل من القتل و التهجير و التدمير في سوريا و على الهوية و الطائفة والمذهب .                                                                                                 2 ـ الغيمة التي تلبد سماء العلاقات بين العدو الإسرائيلي وأمريكا و ما نجم عن عجرفة نتانياهو في التعامل مع الرئيس الأميركي من فتور في هذه العلاقة و ما أنتجت من إمتعاض لدى الكثيرين حتى من بعض داعميه في الولايات المتحدة صحيح أنها  مجرد غيمة لكنها مؤشر على تراجع مجهري تدريجي في ترمومتر هيمنة إسرائيل على دوائر النفوذ هناك و تعطي الدليل الحي على أن مدها بدأ في الانحسار و ما على الدبلوماسية العربية إلا أن تقدم نفسها ككيان موحد قابل للشراكة و الشراكة فقط بما يضمن تحقيق المصالح المتبادلة و لملئ تلك الفراغات التي أحدثها العدو بطيشه و صلفه .                                                                       3 ـ قد يكون لتدهور أسعار البترول أثر بالغ على مساحة النفوذ الإقليمية لإيران بالحد من قدرتها على الإنفاق في كل اتجاه و هذا يسمح للمشروع الناشئ ـ إذا كان مشروعا ـ أن يتمدد في مجالات انحسارها خصوصا أن الأعباء المالية ستواجهها بشكل جماعي و بقدراتها المادية التي رغم تراجع أسعار النفط تظل ـ بفضل الله و منه ـ قادرة على تغذية أحلامها و مشاريعها .                          إلا أن قابلية هذا اللاعب للحياة و بروزه على مسرح الأحداث إلى أمد بعيد يستلزم جملة من الشروط تجعله قطبا مميزا أو محورا جاذبا لكل مكونات المنطقة العربية بعيدا عن التجييش الطائفي و المذهبي و هو ما يستوجب البدء في ترميم التصدعات و جسر الهوة بين مكونات الأمة و الضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بالأمن تحت ستار الانتصار للطائفة أو المذهب و تجريم المساس بالخصوصيات العقدية لأي إنسان و تهيئة بيئة قابلة للتعايش مع الاختلاف دون الاحتكام إلى ما صنع الحداد فبعد 1400 سنة من المناظرات و الحوارات و الاقتتال دون جدوى لم يعد هناك بد من القبول المتبادل يبعضنا جملة دون تفصيل أو تفاصيل ، بمعنى أنه آن الأوان لهيمنة السياسة الإسلامية و مصالح و حاجات المسلمين على المذهبية و الطائفية و أنه آن  الأوان لمحاسبة النفس و أخذها بالحزم و لجمها بخطام المصلحة العامة التي تحسب بمقارنة الجهد و المردود .    
                                             

  

الجمعة، 13 مارس 2015

اضراب اسنيم: عائلات تتضور جوعا.. ومصارف مهددة بالافلاس!!



المرابط ولد محمد لخديم 
كنت غارقا في البحوث لمؤسسات خارجية فأنا دائما أعمل في موريتانيا لمؤسسات في الخارج بوسائط الانترنت والتحكم عن بعد وعادة لا تربطني عقود عمل مع الدولة الأمر الذي جعلني لا أهتم لكثير من القضايا التي تحدث من حولي ..وكثيرا ما تكون هذه الأمور سياسية أو تطبخ بطبخة سياسية...وكنت أسمع بقضايا اضراب العمال ولذي لم تهتم به المؤسسة الاعلامية اهتماما بقدر الحدث... ربما لأنها لا تعرف الكثير عن شركة اسنيم أم لقضايا ومآرب أخرى...
 غير أنني لم أتصور في حياتي أن أسمع بتوقف لإنتاج وتصدير الحديد بشكل تام..
 لكن يبدوا أن هذه هي الحقيقة ففي يوم الخميس الأسود الموافق 05 ـ 03 ـ2015، تم توقف انتاج وتصدير الحديد في مدينتي أزويرات وأنواذيبوا....
 كان هذا الخبر كالصعقة علي ذالك أنني من أبناء هذه المدينة وأعرف ما تعنيه لأهل أزويرات خاصة وللشعب الموريتاني عامة...
 رجعت قليلا الى مقالات كنت قد كتبتها عن مدينة (أزويرات ) ولماذا تم تهميشها؟ رغم أنها هي الرئة التي تتنفس منها موريتانيا, الأول بعنوان:مدينة أزويرات بين لسان حال الاهمال ولسان مقال الانفصال!!
 حاولت من خلاله أن أبين كيف أن ساكنة أزويرات لم تستفد من خدمات اسنيم في استثمار الفائض الحاصل من ارتفاع سعر الحديد في تحسين ظروف العمال وربطها بالعاصمة أنواكشوط عبر طريق مسلفت واقتناء معدات جديدة قادرة على تحسين الانتاج وكسب مزيد من الثقة في الأسواق العالمية...وأنهم أصبحوا أكثر ارتباطا بالجزائر والمغرب والصحراء الغربية من ارتباطهم بالعاصمة أنواكشوط..
 أما المقال الثاني فهو بعنوان:طريق أزويرات أنواكشوط أسمع جعجعة ولا أرى طحينا!! أردت من خلاله أن تفك الدولة بواسطة فائض الشركة العزلة عن مدينة أزويرات بانشائها للطريق الرابط بين أزويرات وأطار البالغ 300كم على نمط الطرق التى مولتها في الشرق والغرب الموريتاني وبمواصفات عالمية فإذا هي تفاجؤنا بشركات وطنية لا تعرف الكثير عن صيانة الطرق فأحرى بإنشائها!!!
 لكن لم يخطر على بالي أن الدولة تتنكر لمطالب مشروعة من عمال بذلوا الغالي والنفيس في انشاء شركتهم لشعورهم أن ارتباطهم بها بات عضويا وأن مصيرهم في اصلاحها وأزدهارها..وفضلت الحكومة الاستماع الى بيانات كاذبة تقول فيها ادارة الشركة بأن الإضراب لم يؤثر سلبا على الإنتاج، بل انه قد زاد في فترة الإضراب أليس أولى برئيس الجمهورية وقد شاهد كذب هذه التقارير أن يجتمع بكافة أطراف الأزمة وأن يديرها بنفسه باتخاذه لقرارات صارمة قبل أن تصل شظايا الأزمة الى كافة مفاصل الدولة الحيوية!!
 ليسا منطقيا أن الرئيس ليس على دراية بما قد تنجر عنه هذه الأزمة:
 فأول ضرر سيلحق بالمؤسسات المالية لأن فقدان السوق المحلية لمدينة ازويرات لدخل العمال المضربين والذي كان يوفر سيولة تسهل حركية السوق والمضاربات والصفقات...سينتج عنه تحول هذه المصارف إلى مجرد مؤسسات قروض...
 فسياسة البنوك تقوم أساسا على جانب الايداع وفي حالة انعدامها فلاشك أن القروض المتأخرة الدفع ستؤدي في النهاية الى افلاس المصارف.وستتضرر الميزانية الموريتانية حيث أن الشركة تساهم ب23 بالمائة من الناتج الاجمالي و50 بالمائة من العملات الصعبة ..
 أما الاقتصاد المحلي فتضرره واضح حيث كان يعتمد على مصدر دخل كبير يوفره سكان المدينة وخاصة أن أغلبهم يعمل في مناجم ومنشآت الشركة ...
 وقد أخبرني اليوم أحد سكان أزويرات أن البضائع الضرورية نضبت في السوق نتيجة لتوقف القطار عن العمل والنقل بين مدينتي نواذيبو وازويرات الذي كان يزود أصحاب المحلات بالبضائع وحاجيات التجارة المختلفة وخاصة ما يتعلق بمواد مثل الخضروات والدجاج والألبان والفواكه والمعلبات ، إضافة إلى الماشية من أغنام وغيرها..
 والآن ورئيس الجمهورية يستعد لزيارة المدن الشرقية ماذا سيقول لساكنتها في سنة ندرت فيها الأمطار والتحويلات التى كانت تحول اليهم من أزويرات وتعول آلاف الأسر تضررت بفعل الاضراب...
 ليس صحيحا التذرع بانخفاض أسعار الحديد في العالم فالشركة دائما تتخطى هذه الأزمات رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة...لكن اقحام الشركة في التجاذبات السياسية هو الذي أوصلها الى هذه الوضعية..
 والخطورة تكمن في استجلاب خبراء من الخارج وتعويض العمال بعمال متدربين لم يكملوا تكوينهم ومتقاعدين بلغوا من السنين عتيا.. ماذا لو انهارت هذه الأجهزة التي يبلغ سعرها المليارات؟ من خطوة عمياء من متدرب غير كفؤ ومن المسئول عن هذه الخسارة؟ وهل يسكت العمال على هذا التصرف؟
 يجدر بالدولة أن تراجع سياستها اتجاه هذه الأزمة بفتح الحوار من جديد مع العمال بعيدا عن سياسة كسر العظم الذي يروج لها البعض فكلنا في سفينة واحدة مصلحتنا واحدة والصلح خير والزمن بدأ ينفد بعد أن أصيبت الشركة بشلل كامل.
 فهل يتدخل رئس الجمهورية لحل هذه الأزمة ؟ّأم أنه سيترك بعض من شعبه واقتصاده ينهار؟!

مساعي إعاقة "سنيم" جريمة كبرى فى حقّ الوطن



محمد ولد محمد لوليد: أستاذ/ مكلف بمهمة في وزارة التهذيب الوطني
تعتبر الشركة الوطنية للصناعة والمناجم، الرافعة الأولى للاقتصاد الوطني، وفاعلا اجتماعيا محوريا في موريتانيا؛ وخاصة في المناطق الشمالية الممتدة من الزويرات إلى نواذيبو.
ولئن كان البحث عن العوائد المادية وتحقيق الأرباح هو الشغل الشاغل والهدف الأوحد لأية شركة صناعية أو تجارية في العالم؛ فإن شركة "سنيم" تمثل، بجلاء، الاستثناء الذي يؤكد تلك القاعدة.. ذلك أن الشركة المنجمية الموريتانية تولي عناية كبرى لعمالها، بكافة فئاتهم ومستوياتهم وتخصصاتهم؛ حيث توفر لجميع عمالها وعائلاتهم التغطية الصحية المجانية بشكل كامل، إلى جانب السكن والمواد الاستهلاكية الضرورية بأسعار مخفضة، مدعومة بنسبة 30%.
وتستفيد ساكنة مدينة الزويرات من التوزيع المجاني للماء الشروب والطاقة الكهربائية؛ مثلما تستفيد المنشآت الصحية والتعليمية في المدينة من دعم معتبر تقدمه "سنيم".
وفي هذا السياق أنفقت الشركة، خلال السنوات الخمس الأخيرة وحدها، ما يزيد على 25 مليار أوقية لإنجاز جملة من المشاريع الخدمية الهامة لصالح العمال والساكنة؛ حيث شملت تلك المشاريع قطاعات حيوية من قبيل معالجة المياه المالحة، وبناء شبكات للماء الشروب وتوفير الكهرباء في الأحياء النائية بمدينة الزويرات، وبناء محطة لتوليد الطاقة الشمسية تبلغ طاقتها 3 ميغاواط؛ وإنجاز المطار الجديد، وعصرنة الخدمات الطبية، وبناء محطة لمعالجة مياه الصرف، وبناء 300 وحدة سكنية..
ولم تنحصر مشاريع شركة "سنيم" الاجتماعية على مدينة الزويرات؛ حيث وفرت مياه الشرب بشكل مجاني، أيضا، لسكان مدينة افديرك.
ونظرا للمكانة التي توليها الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) للجانب الاجتماعي والخدماتي من نشاطها؛ أنشأت هيئة خيرية لهذا الغرض؛ أنفقت خلال الخمسية المنصرمة 1,5 مليار أوقية على مشاريعها الاجتماعية في الزويرات.
وتضمن جدول إنجازات خيرية "سنيم"؛ ضمن أمور أخرى، إعادة تأهيل وتجهيز المستشفى الجهوي بالمدينة المنجمية، وإهداء سيارات إسعاف مجهزة للبلديات الواقعة على طول خط الزويرات ـ نواذيبو، وتوفير الأثاث والمستلزمات الدراسية لمؤسسات التعليم في تلك البلديات.
وبموازاة كل هذا العمل الجبار وتلك الإنجازات الميدانية لصالح ساكنة كل من الزويرات وافديرك، والبلدات والقرى الواقعة على طول خط سكة القطار المنجمي؛ كان لشركة"سنيم" وخيريتها دور بارز في دعم الفئات الاجتماعية الهشة على مستوى مدينة نواذيبو؛ العاصمة الاقتصادية للبلاد، ومقر الإدارة العامة للشركة وميناء تصدير خامات الحديد نحو الأسواق العالمية.
وفي هذا المضمار، تولت الشركة بناء المستشفى الجهوي الجديد في المدينة الساحلية؛ وهو منشأة استشفائية تبلغ سعتها 250 سريرا؛ بكلفة إجمالية بلغت 2,5 مليار أوقية قدمتها الخيرية بالكامل.
كما مولت خيرية "سنيم" بناء السوق البلدي الجديد في المدينة، بكلفة بلغت 110 ملايين أوقية؛ حيث يضم 44 محلا تجاريا و3 عنابر بيع السمك واللحوم والخضروات.. ويتميز السوق بكونه يتيح لسكان حي التخطيط الجديد التسوق عن قرب وتجنب عناء التنقل نحو أسواق وسط المدينة البعيدة.
كما تجلت عناية الشركة الوطنية للصناعة والمناجم بالفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة في تكفل هيئتها الخيرية بالأيتام من أبناء عمالها المتوفين وغيرهم من أيتام المدينة. ولعل خير مثال على ذلك ما قدمته الخيرية لهؤلاء من مواد عذائية استفاد منها قرابة مائة يتيم أواخر العام المنصرم؛ من خلال حصولهم على كميات معتبرة من الأرز والزيت والألبان والتمور والمعجونات الغذائية ذات الجودة.
ومن تجليات اهتمام الشركة باستمرار العلاقة الوطيدة مع عمالها، والحرص الدؤوب على خدمتهم حتى بعد انقضاء فترة عملهم؛ توزيع مبالغ نقدية لمكتب متقاعديها في الزويرات، بمناسبة الاعياد الدينية؛ بهدف التخفيف من أعباء تلك الأعياد وإدخال الفرحة إلى أسر هؤلاء المتقاعدين. وتستفيد من مثل هذه الهبات قرابة 815 عائلة مقيمة في مدينة الزويرات ويعيلها متقاعدون من شركة "سنيم"؛ فيما غيب الموت معيلي أزيد من 120 منها يحصلون جميعا على مخصصات التقاعد التي تؤمنها الشركة لهذه الفئة من عمالها.
إن السعي لإعاقة شركة وطنية بحجم ومستوى "سنيم"؛ هو في اعتقادي، محاولة صريحة لشل هذا الشريان الحيوي الدافق الذي طالما زود سكان مناطق الشمال بأهم مقومات الحياة؛ وضمن استمرارية نبض قلب الجسم الاجتماعي في الزويرات وافديرك واتواجيل، وشوم، واتميميشات وإنال وإنال ونواذيبو.
ولئن كان الإضراب، من حيث المبدأ، سلوكا نقابيا طبيعيا، وظاهرة صحية معتادة؛ فإن ما نشهده اليوم من إصرار مكشوف على شل نشاط الشركة الوطنية للصناعة والمناجم؛ وبالتالى إنزال عقاب جماعي بسكان تلك المناطق الشمالية من البلاد، وتجفيف منابع دخل آلاف العمال والأطر، لا يمكن اعتباره عملا نقابيا مشروعا أو مبررا؛ خاصة حين يقترن بحرمان آلاف الأسر، ومئات الأيتام والمرضى والمحتاجين، من خدمات توفر لهم بشكل مجاني دائم، هم في أمس الحاجة إليها. ولربما أمكن القول، دون مبالغة، بأن مثل هذا التحرك قد يرقى إلى مستوى "خيانة" الأمة، إن لم يكن جرما يقترف بحق الإنسانية؛ خاصة وأنه يأتي في ظرفية بالغة الصعوبة بالنسبة للسكان، إذا ما أخذنا في الحسبان شح المياه في المناطق الشمالية، وتداعيات ضعف التساقطات المطرية خلال الموسم الأخير، بل والمواسم التي سبقته.
إضراب من شبه المستحيل استساغة الحجج التي يرفعها من يقفون وراءه، بالنظر، إلى الانخفاض المذهل والمفاجيء في سعر خامات الحديد، والظروف التي تحرص شركة "سنيم" على توفيرها لعمالها، سواء من حيث الرواتب والعلاوات، أم من حيث الامتيازات والخدمات الاجتماعية المتعددة.
ويكفي أن نعلم بأن معدل الزيادات العامة للرواتب والعلاوات خلال السنوات الثلاث الماضية وحدهما تجاوزت 35% وبلغت علاوة الإنتاج من 30% في العام 2013
أما مبالغ التحفيز السنوية، التي تتناسب طردا مع النتائج السنوية فبلغت مستويات غير مسبوقة في تاريخ الشركة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بالإضافة تزايد وتيرة التقدم في السلم العمالي.
ولم تكتف الشركة بهذه الزيادات والإجراءات التحفيزية؛ حيث تضمنت الامتيازات الاجتماعية التي تمنحها لعمالها تخصيص ميزانية سنوية لهذا الغرض بلغت سنة 2014 ما يناهز 600 مليون أوقية مقابل 400 مليون سنة 2010. وتم رفع ميزانية دعم المواد الغذائية (الأرز، السكر، الزيت، المعجونات، الشاي) إلى 30% منذ سنة 2011. إضافة إلى منح سلف للعمال بمناسبة الأعياد الدينية، تتكفل الشركة بتسديدها عن عيدي الفطر والأضحى.
وتوفر الشركة السكن لعمالها وتمنح علاوة عدم السكن لقدمائها، بنسب تحدد طبقا للأقدمية. وهي تقدم قروضا ميسرة على علاوات السكن لمدة عامين؛ بالإضافة إلى قروض التقاعد التي تقدم قبل الإحالة إلى المعاش بفترة 12 سنة.

هذه الامتيازات التي يحسد عليها عمال اسنيم، تجعل عمّال الشركة غير المضربين، وعمال وكوادر المؤسسات الأخرى، يستغربون نكران جميل "سنيم" واستبدال حنانها وأياديها البيضاء بالمجهول.

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More