الاثنين، 24 سبتمبر 2018

عندما تركب خيل الله في غير سبيله


أحمد ارجيل

عندما بطن "فخامة الرئيس" تهديدا لمجموعة من الشركاء الوطنيين و صنف مرجعية بعضها على أنهاأكثر ضررا من إسرائيل على الامة، في مبالغة ممجوجة و جارحة للشعور و المشاعر و في تناغم فج مع أصوات من خارج الحدود مشبوهة النوايا و الاهداف لم يحترم الاذواق في ذلك أو يتحر الصدق بل أطلق العنان لسانه يردد ما يلاك هنا و هناك مازجا به ما يؤرقه من هاجس المأموريات و عظمة الذات و ما يجيش به صدره من عزف على أوتار الشرائحية و العنصرية. 
لوح صاحب الفخامة لخصوم الداخل بعصا التأديب ما لم يخضعوا و رفع للخارج -المؤثر طبعا- شعار الحرب على الارهاب كطلب تغاض عما ما قد يتخذه من إجراءات لا تدخل بالضرورة في نطاق المبادئ التي يؤمن و يتغنى بها ذلك الخارج و رأيه العام.
و كالعادة ركبت خيل الله تدفعها الحمية و الغضب لله!! منتضية هنديتها مرابطة على ثغور قومية يكتنف حقيقتها اللبس و الشك أو للدفاع عن شركاء في المرجعية الفكرية و التنظيمية . و كالعادة كلما أسىرجت تلك الخيل في ارض الله هذه تكون الوجهة و الهدف بعيدين جدا بمقياس الوطن و المواطنة و يسقط صريخ الداخل و نصرته من الاذهان و الاعتبارات فلم أقف في ما وقفت عليه من أثر أو أر في ما رأيت من نقعها -الذي حجب الرؤية في منطقة الشرق الاوسط و شمال افريقيا- رمية أو مناضلة عمن شملهم التهديد في الداخل و حشروا قسرا تحت وصم "دعاة العنصرية و التفرقة".
أشار السيد الرئيس ضمنا إلى دعاة الحقوق و نعتهم بالعنصريين و هنا يتبادر الى الذهن دعاة المساواة و مسح الفوارق الاجتماعية و رد الاعتبار للذين أفتقدوا القيمة و الكرامة و المعنى و حرموا حتى حق الخصوصية التي تشي بها جملة  من المعطيات و الفوارق بارزة للعيان و تناسى فخامته أنهم تعبير حي عن طيف واسع من هذا المجتمع و قد منحهم ثقته فأنتخبهم نوابا عنه في البرلمان متجاوزا إليهم غيرهم ما يعني ما يلبسون من وصف يتزياه ذلك الطيف و يكتسيه.
و بقدر ما يشعر المرؤ بالقرف من وعيد الرئيس وتهديده يشعر بالخذلان و التيه و هو يجوب جغرافية العلاقة الوطنية المضيعة لمصلحة انتماءات أخرى. لذلك نذكر "خيل الله و فرىسانها" بمستضعفين في الداخل تجاهلهم و تجاهل قضاياهم تلحق منه المعرة و تلزم منه الكفارة و يجعل الجهاد في غير السبيل .
و نذكر العنصريين! بضرورة الثبات و نحذرهم من عقد الصفقات فهي لن تشبع نهم النظام إلى أكلهم و لن تغير نظرته إليهم إنما هي بداية تراجع مطرد مذل لن ينتهي بغير المحو و الاجتثاث و لهم في المراحل التي مرت بها قضية إحتلال فلسطين أسوة سيئة فهاهي وصلت مرحلة تفضيل المحتل على الشريك.
يأخذ البعض على "افلام" ماضيها الذي يضع العنف في اعتباراتها و من بين خياراتها النضالية في حقبة لم يكن لغير ذلك معنى فلم تكن هناك ديمقراطية و لا تشاور بل كان العسكر و الاوامر واجبة التنفيذ و من يرفض عليه أن يحمل السلاح أو يستعد لموت مجهز بالرصاص أو يتعفن في السجون. ويأخذ عليها تبنيها الآن للانفصال أو الاستقلال الذاتي علما انها تنتهج له وسائل سلمية و يتناسى تهديدا من شخصية جهوية وازنة بالانفصال "إن لم..." و قد ترشح قادتها في مناطق بعيدة كل البعد عن محيطهم الجغرافي و العرقي و هو ما يعني قبولهم الانتماء لهذا الوطن حتى لو ظلوا محتفظين بميولهم و خصوصيتهم. و تكال التهم بالعمالة و العنصرية لحركة إيرا و الحركات الاخرى التي تنادي بوجوب مداوات جراح الحراطين التاريخية و بناء الشخصية الحرطانية بناء مستقلا يؤهلها للعب دور الشريك الكامل الشراكة الذي تتساوى فرصته مع غيره في الوصول الى المناصب و الثروات. عجبا لرئيس يفقد صوابه و هو يمتلك أكثرية منتخبة الكل أبتلعها رغم ما شاب العملية الانتخابية و رغم الظروف الزمانية و المكانية التي أجريت فيها و الثقافة التي تدير تلك الظروف. عجبا لرئيس يثق في قضائه و ينظر هذه النظرة لمن زكاهم ذلك القضاء.
عجبا لكم سيدي لرئيس .

الجمعة، 6 أكتوبر 2017

مشكلاتنا : التسويف و الهروب و النكران والتهرب .

أحمد ولد أرجيل


((فمازال هذا دأبنا و هو دأبها @
لدن أشرقت حتى تضمنها البحر )) 
بكن الديمان رحمه الله .
عاشت كل الأمم حياتها بتشعباتها و تقاطعاتها و هزاتها تسلك الشعاب و التشعبات و تتريث عند التقاطعات أو تندفع لا فرق و تتعرض للهزات تخسر بها الكثير أو القليل أو تربح إلا أن كل ذلك بما فيه من محمود أو " مصبور " ( صياغة اللفظ متكلفة ) يصبح دروسا و مكاسب و زادا للمستقبل تقتات به هذه الأمم في قادم أيامها و تعد منه موائد باذخة قرى لضيفان الخطوب و طوارق الدهر تمنعها به أو تديرها - إن كان لا مناص منها - بما يمنع تأثيرها أو يخففه و تكتسب بها الوعي بالمسالك و الدروب المتوجب سلكها بعدها . 
نعيش هذه الأيام حمى الوطنية و الاصطفاف المزعوم و الانتصار للوطن من عدو خارجي بعد أن أستنفدت أدوات الحشد الداخلي و التجييش صرفا للأنظار عن الفشل المتراكم في شتى الميادين فلا بأس بخلق جو من الالهاء تحت يافطة التهديد و نذر الخوف .
لا أعرف تماما ما الذي جرى و يجري في السنغال إلا أني متأكد من خلوه من موجب حقيقي لهذا السيل الجارف من الغضب وقرع طبول الحرب فدعونا نناقش الأمر و نحاول أن نستجليه في ظل ما نشاهده في علاقات الدول و قبل ذلك تجدر الإشارة إلى أن (( أللي هو سارق ما تخلعو القصاصة )) و أن ما تنادي به الحركات الحقوقية أو تجار القضايا لو تم التعامل معه بشكل جدي و فعال فلن تؤثر في البلد و لا في لحمته و لا في سلمه دعواتهم و لا مؤتمراتهم أما الرهان على الوصم بالعمالة و التخوين من جهة و الاعتماد على أصوات هنا و هناك من جهةأخرى فإنه لن يحل مشكلة و لن يخلق إجماعا يعول عليه.
صحيح أنه ربما جعل هذه الحراكات تهدأ إلى حين خصوصا أن الأوضاع إذا تأزمت و عم الهرج و المرج تنساق الناس للسير مع الجمع عن قناعة و تحت سيف الخوف من إستغلال الأنظمة لهكذا ظروف في تصفية خصومها إلا أن ذلك لن يدوم ما يعني أن الاشكال سيعود - حتما - بعد أن يكون قد تعمق و تعقدت طرق حله .
في الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الحرة عموما يتزاحم الحقوقيون و المنظمات و معارضو الأنظمة الصديقة لتلك الدول تعقد مؤتمراتها و تصدر بياناتها تدين هذه الدولة و تشجب تلك و تطالب بقطع الدعم عن هذه و حصار تلك و الحبل لهذه المطالب على الجرار . فلماذا لم نسمع خطابات مهددة أو متوعدة ؟ السؤال مجحف فلنصغه بتعبير أخف لماذا لا يكون ثمة ضغط على حكومات الولايات المتحدة و الدول الغربية بهدف لجم و تكميم ضيوفها بحجة أن ذلك يضر أصدقائها و بالتالي قد يمس المصالح المشتركة ؟ لماذا هذه الدول تجمع هذه المتناقضات و حالها في تطور مستمر بينما نحن نستميت في التظاهر بالتجانس المصطنع و نمشي في مسيرتنا التنموية في الاتجاه المعاكس ؟ ألم تحتضن الولايات المتحدة معارضة مسلحة للحكومة الكوبية و تدخلت مرة بشكل مباشر و أخفقت لماذا ؟ لا شك أن لدعم حلفاء كوبا جزء من ذلك و أن بعض الأسباب خافية - لإعتبارات يعلمها المعنيون - و لكن لا شك أيضا أنها لم تستطع أن تجتذب من الكوبيين من يستطيع القيام بإزاحة ذلك الماركسي ذي اللحية غير المهذبة نظرا لأن ما تسوق به عداءها لم يجده الكوبيون مقنعا و لأنها لم ترد أن تفعل ذلك بنفسها . 
ألم يجبر السوفييت شعوبه و شعوب و المعسكر الشرقي بقوة الحديد و النار و عندما جد الجد تفكك لأن واقع هذه الشعوب يحمل من بذور الثورة و التمرد ما يتفوق تأثيره على الهواجس و المخاوف . عودوا بالذاكرة إلى الوراء إلى مطلع العشرية الثالث من القرن الماضي الم تكن حركة الحر حركة عنصرية لعينة و من فيها أعداء للوطن أو في أحسن الحالات عنصريون لا يصلحون للقيادة ؟ كم عانينا و نحن غير ناضجين و بلا زاد من علم أو معرفة لننفي العنصرية عن الزعيم و الوالد مسعود ولد بلخير ايقونة حركة الحر - ليس في الأمر إنتقاص لرفاقه لكنه من كان وقتها على الواجهة - أيكم لم يسمع تلك الفرية التي تقول إن مسعود أخذ على نفسه عهدا أن يجهد حتى يجعل ام المؤمنين و فاطمة تعملان عند امبيركه و خدامة ؟ و نظرا لدفن الرؤوس في الرمال آن ذاك و تجاهل الخطر أفاق صانع القرار و أفاقت الثقافة المتحجرة على ابتكار الحركات الحالية لطرح أكثر حدة و راديكالية . أسنحتاج أيضا لأربعة عقود أخرى حتى نكتشف أن إيرا حركة حقوقية بعد أن تبرز لنا حركة أخرى بخطاب آخر هاهي نذره لاحت و هاهي بداياته تتشكل في مقال هنا و منشور هناك . و لسان ينشد
(( أرى تحت الرماد وميض نار@
و يوشك أن يكون لها ضرام .
فإن النار بالعيدان تذكى @
و إن الحرب مبدؤها الكلام .
أقول من التعجب ليت شعري @
أ أيقاظ أمية أم نيام ؟ .
فإن كانوا لحينهم نياما @
فقل قوموا فقد حان القيام )) .
" نصر بن سيار "
هذه الراديكالية أمر حتمي لكل متمرد معزول يتلاقح مع نفسه بعيدا عن التزاوج الطبيعي مع المحيط الذي ينجب أجنة فكرية جديدة هي هجين بين الاثنين تأخذ من ألم هذا و أمل ذاك راسمة طريقا وسطا يصلح مخاضة و معبرا إلى أفق الامل .
جففوا شلالات الأسى تأمنوا شر الحقوقيين و التجار و الابعدين و من في الجوار .

السبت، 22 يوليو 2017

ما يتخم الواقع بالخطوب .

أحمد أرجيل 

يقف الإنسان أو المجتمع - عادة - عند كل إشكال أو عقبة تعترض سبيله او تمثل مصدر إرباك أمام مسيرته - سواء كان تأثير ذلك الاشكال  مقتصرا على الفرد او كان منسحبا أثره على الجماعة ككل - متأملا و محللا و معللا و راسما تصورا معيننا يحدد الأسباب و يشخصها و يتتبع انعكاساتها و تداعياتها و يصدر الأحكام عليها واضعا كل ذلك في خارطة طريق يحدد عليها مواقع أقدامه و هوامش خطواته إلى الحل الاصوب و الأنسب الذي يراه .
هذا السلوك نظام فطري أزلي دأبت عليه عليه الأمم و الشعوب تختلف فيه إختلافها في القراءات و التفسيرات و الأحكام تبعا لما تحوز مع علوم و معارف و ما لديها من وسائل توظيفها ، و هو إختلاف يفسر التباين الصارخ بين تلك الأمم في النتائج التي تتحصل عليها من ذات الإشكال او النازلة .
و فطرية هذا السلوك جعلته مرتكزا أساسيا في حياة الناس حتى في أحلك الظروف و لدى أكثر العقول و الثقافات رداءة و من الأمثلة على ذلك من تراثنا المحكي أن المبجلة " فاطمه " العرافه كانت حكيمة "  " ( حله - أنوال ) لا يستغني عن مشورتها و لا يتجاوز رأيها ، و في إحدى رحلات ذلك المحصر الانتجاعية وجد " المرحل ، حمار " ( بتشديد الميم و مداها ، و هو قطعة خشبية هلالية الشكل تتوسطها حفرتان توضع على الرأسين الحادين للعمودين " أركايز " الرافعين للخيمة لتنتصب عليهما بأمان ) . كان ذلك الجسم غريبا و مربكا و مدعاة للقراءة و التحليل ما جعل المرحل يتوقف متسائلا عنه و هل يترتب على وجوده من بأس ، كأن يكون نذير شؤم و ماذا يترتب حياله من فعل ؟ حضرت الحكيمة و عاينت الجسم و أخذتها سنتها المعهودة و التي تعتريها مقدمة لكل فتح عظيم لتفيق بعد هنيهة من الغياب عن الوجود و الموجدات ضاحكة مستبشرة و تلقي على الملإ من حولها إحدى درر تعودها منها بعد كل لوثة عقل و غشاوة نعاس (( هاذ أبلاباس أشهر من شهرت عاملول طاح هون عاكب موته )) .
تنفس الجميع الصعداء فقد رفعت الغمة و نجت الأمة و واصل المرحل رحلة انتجاعه و واصل المحصر النوم في أحضان غفلته . لا أشك في سخافة إيراد القصة سخافة تستمدها من سخافة " فاطمه العرافة " و سخافة حكمتها و كونها مرجعا و أصلا بل إني جازم كما انتم جازمون انها اختلاق من أساسها و لعل ذلك نصيب كل شخصيات الموروث الغبية عندنا من الحقيقة . تيبة ام اكشاط و فاطمة العرافة و بي اسويدي كلها شخصيات وهمية اختلقها المتمردون يلجون تلميحا بالحديث عنها الى المناطق المحظورة و ما لا تقبله جهات نافذة ( سلطة كانت او ثقافة ) تصريحا . و مع ذلك يظل إيرادها  واردا كتدليل على ميل الإنسان إلى أرشفة النوازل و الاستفادة منها .
بيد أن هذا النظام السلوكي الدال على الفطرة السليمة و الذي كان يعمل في بحبوحة من المكان و الزمان يوفرها الانعزال بالموانع الطبيعية و التباعد الجغرافي و محدودية تشابك المصالح و ضعف طرق و وسائط التواصل بين الأمم و الأفراد و حتى في بطء وتيرة توارد النوازل ذاتها بحيث يجد الفرد و المجتمع فرصة سانحة في ظل تلك العوامل للدراسة و التقييم و أخذ العبرة و التفرغ لما هو قادم . أقول إن هذا النظام قد تعرض لإختراق عظيم يتمثل في حرق ممنهج لكل تلك العوامل المساعدة التي توفر فرص القراءة و التمحيص خصوصا ذلك الإغراق اللافت للذاكرة بالنوازل و المشاكل و العقبات التي تظل بفعل كمها  الهائل معلقة دون تشريح او لا تأخذ منه ما يضمن الخروج منها بحل او بعبرة و أصبح الجميع يركض ركضا وراء كل شاردة أو واردة و ينثر سهام كنانته لكل " عانة " ليركض من جديد كلما عنت أخرى قبل أن يوتر قوسه و يرمي الأولى .
فعلى سبيل المثال من منا يستطيع أن يحصي القضايا الهامة التي شغلتنا حيزا من الوقت دون عنها المدونون و شجبها المعارضون و هلل لها الموالون في السنوات الأخيرة الثلاث فقط ، او يذكر لنا من أيها خرجنا بشيء ملموس أصبح مكسبا وطنيا أخذ بالإرادة الشعبية تنحني له هامه و يتحاشاه النظام ؟
ماذا جنينا بعد كل معركة من معارك الإرادات بين باطل النظام وحق الأمة ما لم يكن تأليفا لجهة أو تكرما من مسئول ، من إضرابات عمال اسنيم و الحمالة و الأدوية المزورة ... و هلم جرا ؟ حتى في الأوقات التي تلوح تباشير الهزيمة المحققة للنظام  نتفاجأ قبل حسم المعركة بمعضلة أخرى فنولي أدبارنا للأولى بحجة التحرف لقتال آخر و التحيز الى فئة أخرى فلا نكسب الأخيرة و ننسى الأولى .
تراكم المهملات خطير اخوتي و هو ما نعاني منه و قد تابعت حلقة حوارية في قناة إخبارية عن أحد مواضيع الساعة و دفع أحد الضيوف عن وجهة نظره بحجة كانت - إلى وقت قريب - حاضرة بقوة فقاطعه المضيف بحجة أن ذلك عودة بالأمور إلى تأصيل بعيد غير بناء و هو صادق لأن هذه العودة لم تعد ممكنة و لو تفرغ لها البشر لقضى قدر ما أمضى مراجعة و
 ولتوقفت الحياة .

الجمعة، 21 يوليو 2017

هيبة الدولة : وجهة نظر .

أحمد أرجيل 


هيبة الدولة مفردة كثرة إستعمالها و تميع معناها حتى أصبحت سوط تأديب يقمع به المستبدون كل صوت متمرد رافض ينادي بالحرية و العدالة و الحقوق أو أي قيمة انسانية نبيلة مهدرة تكفلها الشرائع السماوية و القوانين الدولية في عالم تغولت فيه المادة و سطى الظلم على مجريات الحياة و طغى النزوع إلى المصالح الشخصية على حساب الأخلاق و الفضيلة و المصلحة العامة .
    و رغم أن هذا السلوك يكاد يكون نقطة التقاء أو سمة مشتركة بين كافة الأنظمة السياسية فإنها تختلف فيه بإختلافها في النضج و إحترام الإنسان و وسائل توظيف الهيبة ذاتها .
بيد أن " هيبة الدولة " تبقى - رغم ذلك - إحدى أهم مرتكزات الدول التي عليها تقوم و تتأسس و تؤدي مهامها و واجباتها و تستوفي حقوقها و تسير وتيرة الحياة بانتظام ما يبرر الخشونة و يسوغها في بعض الحالات التي تستنفد فيها كافة الخيات الأخرى . من هنا وجب تعريفها تعريفا صحيحا برفع اللبس الذي قد يغشى بصيرة بعض الناس و يؤثر على إدراكه للفرق بينها و بين الخوف الظرفي من بطش الأنظمة الاستبدادية و الانحناء لظلمها و جبروتها في وقت من الأوقات تحكمه ظروف معينة لن تمتد إلى الأبد مهما طالت .
هيبة الدولة هي ذلك الشعور الذي يغمر وجدان المواطن بالاجلال و الاحترام و الثقة في ما تتخذه من قرارات تفرض عليه طواعية الالتزام بها و الوقوف عندها بإعتبارها ضرورات تصب في مصلحته و تتغيى التوسيع عليه و تسهيل حياته فيتجاوز أشكالها الى المضامين و آلياتها إلى الغايات منها . يقترن ذلك الشعور - حتما - بالفخر و الاعتزاز بالانتماء و لا تسأل بعد ذلك عن التفاني و إسترخاص النفس و المال في سبيلها و التقيد الشديد بأنظمتها و الاستعداد للبذل و التضحية كلما أنت أو قالت هل من مزيد . أما الخوف من بطش الأنظمة فقد يفرض شكلا من أشكال الاستقرار و الهدوء و إنتظام الحياة إلا أنه يظل - في ذات الوقت - جرابا حقيقيا يحمل بذور تدميره و معاول هدمه و الإطاحة به تنمو و تتكاثر تحت السطح لا تتهذب بالتنسيق او التلاقح مع المحيط الذي يعي ضرورة التغيير المحسوب بحكم السرية التي يفرضها الخوف و الانضباط المزيف .

السبت، 15 يوليو 2017

تصحيحا لمفهوم العلاقة بالنظام



أحمد صمبه الرجيل
تتسع مساحة و مجال الاحتكاك بين المواطن الموريتاني و النظام بسعة و حجم المساحة التي يمتد البلد عليها أي 1030700كم مربع توفر هامشا و مجالا خصبا للتناول - جرحا أو تعديلا و نقدا او تزكية - في فضاء رحب يتقاسم - و إن بنسب متفاوتة - الإهمال التام و أنصاف الاهتمام . 
هذه الشمولية المتاحة تحد - بل تنفي - الفائدة من الحديث عن الإنجازات في الخصوصية الضيقة للقرية أو المدينة أو حتى لعموم الولاية . من هذا الاعتبار أو المنطلق كنت أتحاشى الزج باسم " شكار " كلما أردت الإدلاء بدلوي في نقد الواقع العبثي المزري الذي يتخبط فيه البلد منذ أمد و الذي يتفيأ منه شكار صدر الظل و يحتل صدارة الإهمال .
قد يكون الأمر مجديا - و الحديث هنا عن التثمين و النقد في النطاقات الضيقة - لو جاء في معرض الحديث عن منتخب محلي ظله ( مسئولياته ) يقتصر على دائرته المنتخبة ( بكسر الخاء ) و لا نفوذ له خارجها و لا إلتزامات قانونية و لا أخلاقية مبنية على التعاقد المعنوي بين البرنامج و الانتخاب ، بل من الجرم أن يكون له تأثير خارجها مستمد من صفة " منتخب " ( بفتح الخاء ) لأن تلك النطاقات و الدوائر تمثل - بشكل او بآخر - حدودا واجبة الاحترام لا يجوز تخطيها إلا وفق طقوس محددة و بروتوكولات ناظمة. 
لكن الأمر يختلف - جذريا - عندما يتطرق الحديث إلى تقييم أداء النظام تثمينا أو نقدا فلا بد للحديث حينها أن يتسم الشمولية و يتعالى على " النقيعات " هنا و هناك و التي تدل على أن المطر لم يكن غدقا و لا سحا و أن الانجازات ليست أكثر من هبات تقدم وفق سياقات معينة و اعتبارات خاصة . النظام يملك جواز العبور إلى كل بقعة و عليه ذلك العبور واجب ليزرع من الإصلاح كل ممكن تتيحه الإمكانات المتوافرة و هو بعد ذلك يبقى هدفا مشاعا و مباحا لعين الرقيب و لسانه . وغيابه عن أي شبر تحت مسئوليته القانونية أو السياسية يعد مطعنا عميقا في الكفاءة و جرحا ( بفتح الجيم و سكون الراء ) يمس الصدق و المصداقية . 
بيد أن ضرورة التواجد و الحضور تلك و تقديم أقصى ما يمكن لا يترتب عليها في أعناق المواطنين أي دين للنظام يجب شكره أو يلزم رده لا بالشرع و لا القانون و لا بمنطق العقل المتحرر من قوالب التبعية و التقليد الاعمى. 
فلو سلمنا - جدلا - أن شكار مدينة مكتملة النمو و تعيش كل تفاصيل مدنية القرن 21 من رفاهية في المياه و الكهرباء و الطرق و جودة الخدمات الصحية و تتوفر على كافة مراحل التعليم إلى غير ذلك مما هو معروف و كان ذلك منسحبا على بقية أطراف الوطن فإن ذلك لا يجعل من المواطن غارما للنظام و لن يجعل من النظام أكثر من خيار سياسي ضمن الخيارات المطروحة ينتقي منها المواطن و يختار . فما التوصيف اللائق به ( النظام ) و الحال على ما هو عليه ؟؟؟!!! لا أعتقد أن الجواب في مصلحته و لا يخدم العلاقة مع الناس !
ثمة نقطة أخرى يجب التنبيه عليها تتعلق بالاهمال جعلت من شكار قرية - رغم الموقع و المؤهلات - قرية هامشية و تنسف أي دين للنظام في أعناق الساكنة بل تجعله تحت طائلة المسائلة و ما هي في ذلك إلا ناطقة بلسان حال بقية البلاد و خصوصا منها تلك التي يتوفر على مقومات النهوض و التنمية و تعيش نفس الإهمال كشكار. ذلك أن شكار و ملحقاتها منطقة زراعية و رعوية لم تفتض بكارة خصوبتها - على حد علمي - منذ عشرات السنين أي بعد الجفاف و سنواته العجاف و هو ما يضاعف و يراكم معدل الخصوبة فلو أتجهت أنظار النظام و عزيمته الى هذا المكمن من مكامن القوة الاقتصادية للبلد إتجاهها و بقدر شهيتها الى التعديلات العبثية المرتقبة لأنتج من الحبوب و الخضروات و الأعلاف ما هو كفيل بتحقيق فائض من الرفاهية و لساهم بشكل فعال في العملية التنموية . أين هي هذه المشاريع الطموحة التي تتغيى ذلك الهدف و تنشده و تدفع بإتجاه تحقيقه ؟! 
جدير بالذكر أن ذلك الهدف -رغم طموحه و قصر ذات اليد - ليس مستحيلا فثمة مليارات معلنة سيكلفها الاستفتاء " السفه الخديج " بإمكانها أن تضخ فيه و في غيره من المشاريع التي تمس حياة الانسان بشكل مباشر . كما أن النظام الرشيد - الذي نفتقر إليه للأسف - من مميزاته السعي الدؤوب إلى الاستفادة من المتاح من الموارد - مهما قل - و في هذا الصدد كان عليه أن يحاول الاستفادة من مياه الأمطار التي - مع قلتها - يذهب الكثير منها سدى بتجميعها في خزانات ضخمة بغية إستخدامها في هكذا مشاريع لا شك أنها لن تثمر سريعا الا أنها تدلل على إمتلاك رؤية ثاقبة نيرة تحسن التخطيط و تستغل المتاح و ختاما لهذه النقطة أستحقت شكار بجدارة لقب " جوهرة الامل المنسية " .
يبقى القول في هذا السياق أنني لست مع الرؤى الضيقة و لا أنتمي لقوافل الجهويين الذين باتت تعج بهم الساحة و ما " شكار " إلا قيمة متغيرة ترمز ترمز لعموم الوطن أوجبت المرحلة و السياق تخصيصها بالاسم ، كما يبقى توجيه نداء إلى ساكنة شكار فحواه ألا جميل للنظام في أعناقكم فشكار توجد على هامش الإهمال فمن شاء فليصوت بنعم و من شاء فليصوت بلا و من شاء فليقاطع فالتعديلات ستمر بالشعب و بدونه و هذا وحده كفيل بترجيح خيار المقاطعة لتعرية زيف ديمقراطية مزعومة لا يتوفر منها إلا شكل الصندوق الذي يهرول إليه كل مستبد كلما أراد تمرير نزوة أو تجميل قبيح أو ستر عورة بادية دون إعتبار لما قبل او بعده . وحدها المقاطعة تضمن هزيمتهم النفسية و المعنوية و تذكرهم بماهيتهم التي لا تعدو " مزورين و متسلطين " مهما كسوا باطلهم من نسيج الانتخاب و ما تغزله صناديق الاقتراع ..                                                  أحمد أرجيل 

الجمعة، 7 أكتوبر 2016

حقيقة ما يرتكب في حق الديمقراطية و الشعب و الدستور .

أحمد الرجيل


من دواع الريبة و التوجس من سكين " المتحاظرين " المشحوذة لنحر الدستور و المسماة زورا الحوار أنها جاءت في واقع عادي جدا تطبعه الانسيابية و السلاسة فالرئيس في آخر مأموريته الأخيرة و يحظى بدعم الأغلبية الساحقة في غرفتي النواب و الشيوخ ما يسمح له بالعمل بكل أريحية و تنفيذ ما يشاء من برامج .
و كانت هذه المهزلة لتكون حوارا مبررا لو كان في المشهد معارضة برلمانية وازنة تعرقل بالتصويت خطط الحكومة و مشاريعها فلم يبق لها من هدف - قطعا - إلا نحر ذلك الدستور الذي لا ينبع من وعي جماهيري و إنما هو عصارة أدمغة نخب أدمنت النهب ثم ساقت الشعب اليه كالقطيع و مع ذلك تعبث به الآن و قبل هذا فمازلت أذكر دستور واحد و تسعين حين كان المشرفون يطلعون في بعض المراكز على أوراق المواطن و يضعون " نعم " بدلا منه .
وكانت التعديلات المقترحة لتون معقولة لو طالت مواد لم تعد خادمة أو باتت تتعارض مع مصالح وطنية معينة . أما أن تتجه إلى مواد هي في الأساس من أروع ما فيه و أكثره خدمة لقيم الديمقراطية و ترسيخ المفاهيم المدنية و التشاركية فلا يسعنا إلا أن ندد بهذا السلوك الشاذ و الجائر على هذه القيم و إن كان يتماشى تماما مع عقليات النظام و نخب الفساد و طابور الانتظار .
فليت احدهم يطلعنا على خلل في هذه المواد يستوجب تعديلها وهي : 
(( المادة 26 (جديدة): ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر. يتم انتخابه بالأغلبية المطلقة للأصوات المعبر عنها، وإذا لم يحصل أحد المترشحين على هذه الأغلبية في الشوط الأول، ينظم شوط ثان بعد أسبوعين. لا يترشح لهذا الشوط الثاني إلا المترشحان الباقيان في المنافسة والحاصلان على أكبر عدد من الأصوات في الشوط الأول.
كل مواطن مولود موريتانيا يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية ولا يقل عمره عن 40 سنة ولا يزيد عن 75 سنة بتاريخ الشوط الأول من الانتخابات، مؤهل لأن ينتخب رئيسا للجمهورية. 
يجرى الانتخاب باستدعاء من رئيس الجمهورية. يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد 30 يوما على الأقل و45 يوما على الأكثر قبل انقضاء مدة الرئاسة الجارية.
يحدد قانون نظامي شروط وصيغ قبول الترشيح وكذلك القواعد المتعلقة بالوفاة وبمانع الترشح لرئاسة الجمهورية. 
يستقبل المجلس الدستوري ملفات الترشيح ويبت في صحتها ويعلن نتائج الانتخابات.
المادة 28 (جديدة): يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة.
المادة 29 (جديدة): يتسلم الرئيس المنتخب مهامه فور انقضاء مدة رئاسة سلفه. يؤدي رئيس الجمهورية قبل تسلمه مهامه، اليمين على النحو التالي:
"أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي وظائفي بإخلاص وعلى الوجه الأكمل، وأن أزاولها مع مراعاة احترام الدستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأن أسهر على مصلحة الشعب الموريتاني وأن أحافظ على استقلال البلاد وسيادتها وعلى وحدة الوطن وحوزته الترابية.
"وأقسم بالله العلي العظيم أن لا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من هذا الدستور".
يؤدى اليمين أمام المجلس الدستوري بحضور مكتب الجمعية الوطنية ومكتب مجلس الشيوخ ورئيس المحكمة العليا ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى . ))
.

الأربعاء، 17 أغسطس 2016

تفكيك مفردة أختم به رسالتي إلى المعلم ابراهيم أعميرات .


أحمد ولد أرجيل
الانشاء و البداية و البناء مطلقا ـ بيتا للسكن كان أو حصنا يحمي أو طريقا يؤدي أو نفقا يذلل و يطوع جغرافيا أو جسرا يفك اختناقا مروريا أو فلح حقل زراعي يبتغى منه العيش و استرزاق المولى جل و علا أو ـ يبدأ بالحفر و التجريف و تشويه وجه كان ـ ربما ـ جميلا و ناعما و تعريضه لأخاديد و شقوق و حفريات عميقة مليئة بالطين و الأتربة و ما لا تأنس به النفس في الحالات الطبيعية غير الاستثنائية ، لكن بعد اكمال المرحلة الأولى تبدأ تلك التشوهات في الاختفاء رويدا رويد حتى تزول تماما فيأخذ المنجز شكله الجمالي و الوظيفي النهائي . و هذا التدرج في الاختفاء و كونه لم يأتي دفعة واحدة سببه أن كل مرحلة من هذه المراحل تحتاج قدرا من الجمال و الكمال قبلها تقوم عليه و قدرا من التشوه المرحلي و الخشونة ليكون عند اكتماله أساسا لما بعدها .
  كل ذلك العبث ـ شكلا ـ و الفوضى و العنف و التكسير و التشقيق و التخشين هو بداية حتمية لعمارة الأرض و إحياءها و تحقيق خلافة الانسان لله فيها ، فتبصر ـ أمتعنا الله و إياك بالبصر و البصيرة ـ كيف تحول كل ذلك الشقاء و العنف و الهمجية و التشويه إلى نعيم ولين و جمال و هدوء و سلام ، فحيت الأرض و أزَّينت و وهبت الانسان وافر المحصول ( طبعا تعبير مجازي فالله هو الواهب و المعطي ) و ارتفعت العمارات و الأبراج و تعبدت الطرق و الأنفاق و الجسور و دبت في ذلك الموات الحياة كل ذلك حدث بعد  " مبارحة البداية " موضوع التفكيك و هدفه . فلنفرض أن بناء بدأ مشروعا عمرانيا و بعد مرحلة أو مراحل من العمل توقف تحت أي سبب ( خيانة مثلا أو خلافا مع المالك أو موتا مجهزا ) فهل من الاستغلال الأمثل للوقت و الموارد و الجهد أن نتعهد ذلك البناء بالتدقيق فنحتفظ بالمفيد منه و نعالج أماكن الخلل ـ إن وجدت ـ و نكمل العمل ، أو أن نعمد إلى إزالة كل ما تم و نبدأ من جديد ؟! مؤكد أن الخيار الثاني مكلف و غير بناء . و هاك مثالا آخر على محاولة تفكيك " مبارحة البداية " يحتاج الرضيع في أيامه الأولى إلى نوع من الحليب ذي تركيبة غذائية خاصة يستمر عليه فترة يمده خلالها بأسباب النمو الذي يبدو عليه واضحا من خلال زيادة الحجم و تنامي الشعور بالمحيط و التفاعل مع المؤثرات و بعد فترة من الزمن يصبح ذات الحليب عديم الفائدة بل تنتج عنه عوارض سوء التغذية و أمراضها ما يعني وجوب تغييره بغيره ذي تركيبة مختلفة تتماشى مع عمره و حاجته الجديدة من العناصر المغذية و هكذا دواليك حتى يبلغ الفطام و يبدأ في تعاطي الطعام بذات التدرج الذي حصل مع الحليب . كذلك يكون التعامل مع أي واقع تعيس كالذي عيش في موريتانيا و عانى منه الكثيرون خصوصا من مكون الحراطين و انطلق نضالهم ضده فئويا بالدرجة الأولى . واقع يستند إلى الظلم و السطوة و فرض الذات على الآخرين و سلبهم حريتهم و ما يكسبون و يستمد استمراره و أسباب ديمومته من مجموعة من المعطيات المتجذرة في النفوس و المستحكمة في العقل الجمعي و المعقول . و يتكاتف على ترسيخها " التفسير الديني " و الأعراف و قوة النفوذ العصبوي القبلي  و احتكار الاجتهاد و التواطؤ بين القوى النافذة و المرجعيات المختلفة . ما أرمي الوصول إليه و أود إيصاله هو أن استنبات الجديد من الثقافة في البيئات البوار و التي لم تعهده من قبل يتطلب ريه بما يناسب مراحله كلها من الخطاب و طرق التعبير و أدواته .
  من المعلوم  ـ بديهيا ـ أن الخطاب هو الواجهة الأولى للنضال و المرآة العاكسة له ـ شكلا على الأقل ـ و هو الذي يقدمه للناس و هو الذي يجعلهم يتعاطون سلبا أو إيجابا معه لذلك كان تطويره لزاما حتى يواكب المستجدات و المتغيرات المحلية و الدولية لا يعني ذلك أنني أدعو إلى التخلي عن الخطاب أو الخط النضالي للحراطين إلا أن الجمود عند الشكل الفئوي لهذا الخطاب أو ذاك النضال سيكون عائقا ـ لا محالة ـ أمام وصوله إلى بقية الفئات بالشكل المطلوب و بالسرعة المرجوة و بأقل الخسائر في الوقت و الجهد . عندما نادت حركة الحر (( أخي الحرطاني )) كانت تستغل استغلالا ذكيا كذبة كبيرة  وضعتها الحكومة و أشاعتها أجواء المدينة و العيش في تجمعات يصعب امتهانها علانية تتمثل في ذلك الاسم الذي جمع السود الناطقين بالحسانية " الحراطين " بعد أن أصبحت كلمة العبيد محرجة للجميع و كذلك كذبة أن كل الناس أحرار و أنهم سواسية أمام مؤسسات الدولة  و هي حقيقة من الناحية النظرية البحتة لكن من الناحية التطبيقية كان ذلك كله هراء تكذبه الوقائع على الأرض فقد كان العبد الذي يموت يرث سيده ماله عن رضى و تسليم من ذويه إذا كانوا في البوادي و القرى الصغيرة و بالقضاء عندما تكون عوامل الرضى و التسليم و الخوف غير متوافرة و كنت شاهدا على حالة منها واحدة كان المعنيون يذهبون إلى قصر العدالة و يتنازعون و يتقاضون حتى صدر الحكم القضائي النهائي ببعض التعويضات لذوي الميت و بالورث للأسياد ( و الله على ما أقول شهيد ) و كان الخطاب وقتئذ يناسب أن تكون من بين مفرداته (( لا لحرمان أهل الميت الحرطاني من كده و تعبه و توريثها سيدا لازمه الكسل و الاتكال ليحصد في النهاية شقاء الناس و مدخراتهم )) كما يمكن ابتلاع عبارة أخرى (( لا لتملك البيظان للحراطين و استعبادهم وووو )) بالرغم من وجود ملاك آخرين للعبيد غيرهم إلا أن حيازتهم للأغلبية الساحقة من ذلك الملك تجيز تخصيصهم بالخطاب أما الآن فلا أعتقد أن تيك العبارات و المفردات مازالت واردة الحضور في الخطاب النضالي . لكن لا شك أن ثمة عبارات أخرى مازالت واردة و يجب أن تكون حاضرة بقوة في هذا الخطاب ـ من قبيل المطالبة بالمساوات في فرص العمل و التوظيف و تمويل المشاريع الفردية المدرة للدخل و أمام العدالة و في تلقي نفس المستوى من الخدمات ـ فلاحظ أن التخصيص في رفض الارث كان محل مباركة لأنه كان يخص فئة لا تشاركها فيه الفئات الأخرى لذلك وجبت تسمية الأشياء بمسمياتها . أما ما يخص العبارات الأخرى التي قلت إنها مازالت مركزية في هذا النضال أو يجب أن تبقى مركزية في الخطاب النضالي فإن ورودها يجب أن يتجاوز الفئة و التخصيص فكم في أحياء الصفيح من " كوكتيل الفئات " يجمع بينها قصر ذات اليد و وطأة الفقر و ألم الحاجة وقطعا من ظلم منها لا يجد من العدل إلا ما أنتزعه له الحي القيوم و من ذهب إلى المستشفى  لن يجد من العناية إلا الاهمال و الاعراض و قل مثل ذلك في ما لو حاول الحصول على قرض أو تقدم لشغل وظيفة ما لم تكن تأنها نفوس الطبقة الغنية من كافة الفئات و أعتقد أنه من الصعوبة بمكان أن نستطيع حشر الحكومات في زاوية التغيير الضيقة و إجبارها على تغيير السلوك في تعاطيها مع القضايا الوطنية ما دام هناك خطاب يمكن تصنيفه على أنه خطاب فئوي حشدوي و ستظل هذه الحكومات تستغله لتغطية فشلها في القيام بمهامها و مسؤولياتها بتسويفها لكل ذلك لمصلحة الدفاع عن السلم الاهلي و منع الفتنة و هلم جرا و لا تسأل عما يقود إليه ذلك من اختطاف البلد من الحال العادية إلى استمرا حالة الطوارئ التي هي أساس الظلم و تغول السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية و التشريعية و باقي مفاصل الأمل في التغيير و ما عليه الرهان في اقامة دولة المؤسسات دولة العدالة و القيم الانسانية النبيلة . هذه الاستقالة من المسؤولية المتمثلة في سيطرة الفساد و المحسوبية و النهب و اهمال البنى التحتية التي هي عماد كل نهضة تنموية و اساسها ، و مطاردة أشباح الفتنة و مهددات الوحدة و حماية الكيان من دعاة الانفصال كل ذلك مكر مكره المحافظون ليظلوا جاثمين على صدر المدينة الثكلى و سيجد من يستمع اليه و يحتضنه مادام يسمع صوتا آخر يمجد الفئة و الشريحة أفما حان وقت التقويم الشامل و التقييم ؟
مــــــــــــــــــــــــــــــــــلاحظة :
جمود الخطاب عند البدايات يمثل حالة عجز و انعدام رؤية قابلة للجمع ـ أو على الأقل يوحي بذلك ـ و يوازيه خطورة دفع صاحب النضال و حشره في زاوية المتهم الذي لا هم له إلا تبرئة نفسه و إن أفلح (( بعد هياط و مياط و شفاعة من قريش ود لو أنها حصلت من زمن " منقول بتصرف " )) يقال له خلاص فهمناك أنت رمز أنت وطني أنت لا تشكل خطرا ! فيركن إلى الدعة و الهدوء و تبقى القضية .       

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More