‏إظهار الرسائل ذات التسميات الرئيسية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الرئيسية. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 6 أكتوبر 2017

مشكلاتنا : التسويف و الهروب و النكران والتهرب .

أحمد ولد أرجيل


((فمازال هذا دأبنا و هو دأبها @
لدن أشرقت حتى تضمنها البحر )) 
بكن الديمان رحمه الله .
عاشت كل الأمم حياتها بتشعباتها و تقاطعاتها و هزاتها تسلك الشعاب و التشعبات و تتريث عند التقاطعات أو تندفع لا فرق و تتعرض للهزات تخسر بها الكثير أو القليل أو تربح إلا أن كل ذلك بما فيه من محمود أو " مصبور " ( صياغة اللفظ متكلفة ) يصبح دروسا و مكاسب و زادا للمستقبل تقتات به هذه الأمم في قادم أيامها و تعد منه موائد باذخة قرى لضيفان الخطوب و طوارق الدهر تمنعها به أو تديرها - إن كان لا مناص منها - بما يمنع تأثيرها أو يخففه و تكتسب بها الوعي بالمسالك و الدروب المتوجب سلكها بعدها . 
نعيش هذه الأيام حمى الوطنية و الاصطفاف المزعوم و الانتصار للوطن من عدو خارجي بعد أن أستنفدت أدوات الحشد الداخلي و التجييش صرفا للأنظار عن الفشل المتراكم في شتى الميادين فلا بأس بخلق جو من الالهاء تحت يافطة التهديد و نذر الخوف .
لا أعرف تماما ما الذي جرى و يجري في السنغال إلا أني متأكد من خلوه من موجب حقيقي لهذا السيل الجارف من الغضب وقرع طبول الحرب فدعونا نناقش الأمر و نحاول أن نستجليه في ظل ما نشاهده في علاقات الدول و قبل ذلك تجدر الإشارة إلى أن (( أللي هو سارق ما تخلعو القصاصة )) و أن ما تنادي به الحركات الحقوقية أو تجار القضايا لو تم التعامل معه بشكل جدي و فعال فلن تؤثر في البلد و لا في لحمته و لا في سلمه دعواتهم و لا مؤتمراتهم أما الرهان على الوصم بالعمالة و التخوين من جهة و الاعتماد على أصوات هنا و هناك من جهةأخرى فإنه لن يحل مشكلة و لن يخلق إجماعا يعول عليه.
صحيح أنه ربما جعل هذه الحراكات تهدأ إلى حين خصوصا أن الأوضاع إذا تأزمت و عم الهرج و المرج تنساق الناس للسير مع الجمع عن قناعة و تحت سيف الخوف من إستغلال الأنظمة لهكذا ظروف في تصفية خصومها إلا أن ذلك لن يدوم ما يعني أن الاشكال سيعود - حتما - بعد أن يكون قد تعمق و تعقدت طرق حله .
في الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الحرة عموما يتزاحم الحقوقيون و المنظمات و معارضو الأنظمة الصديقة لتلك الدول تعقد مؤتمراتها و تصدر بياناتها تدين هذه الدولة و تشجب تلك و تطالب بقطع الدعم عن هذه و حصار تلك و الحبل لهذه المطالب على الجرار . فلماذا لم نسمع خطابات مهددة أو متوعدة ؟ السؤال مجحف فلنصغه بتعبير أخف لماذا لا يكون ثمة ضغط على حكومات الولايات المتحدة و الدول الغربية بهدف لجم و تكميم ضيوفها بحجة أن ذلك يضر أصدقائها و بالتالي قد يمس المصالح المشتركة ؟ لماذا هذه الدول تجمع هذه المتناقضات و حالها في تطور مستمر بينما نحن نستميت في التظاهر بالتجانس المصطنع و نمشي في مسيرتنا التنموية في الاتجاه المعاكس ؟ ألم تحتضن الولايات المتحدة معارضة مسلحة للحكومة الكوبية و تدخلت مرة بشكل مباشر و أخفقت لماذا ؟ لا شك أن لدعم حلفاء كوبا جزء من ذلك و أن بعض الأسباب خافية - لإعتبارات يعلمها المعنيون - و لكن لا شك أيضا أنها لم تستطع أن تجتذب من الكوبيين من يستطيع القيام بإزاحة ذلك الماركسي ذي اللحية غير المهذبة نظرا لأن ما تسوق به عداءها لم يجده الكوبيون مقنعا و لأنها لم ترد أن تفعل ذلك بنفسها . 
ألم يجبر السوفييت شعوبه و شعوب و المعسكر الشرقي بقوة الحديد و النار و عندما جد الجد تفكك لأن واقع هذه الشعوب يحمل من بذور الثورة و التمرد ما يتفوق تأثيره على الهواجس و المخاوف . عودوا بالذاكرة إلى الوراء إلى مطلع العشرية الثالث من القرن الماضي الم تكن حركة الحر حركة عنصرية لعينة و من فيها أعداء للوطن أو في أحسن الحالات عنصريون لا يصلحون للقيادة ؟ كم عانينا و نحن غير ناضجين و بلا زاد من علم أو معرفة لننفي العنصرية عن الزعيم و الوالد مسعود ولد بلخير ايقونة حركة الحر - ليس في الأمر إنتقاص لرفاقه لكنه من كان وقتها على الواجهة - أيكم لم يسمع تلك الفرية التي تقول إن مسعود أخذ على نفسه عهدا أن يجهد حتى يجعل ام المؤمنين و فاطمة تعملان عند امبيركه و خدامة ؟ و نظرا لدفن الرؤوس في الرمال آن ذاك و تجاهل الخطر أفاق صانع القرار و أفاقت الثقافة المتحجرة على ابتكار الحركات الحالية لطرح أكثر حدة و راديكالية . أسنحتاج أيضا لأربعة عقود أخرى حتى نكتشف أن إيرا حركة حقوقية بعد أن تبرز لنا حركة أخرى بخطاب آخر هاهي نذره لاحت و هاهي بداياته تتشكل في مقال هنا و منشور هناك . و لسان ينشد
(( أرى تحت الرماد وميض نار@
و يوشك أن يكون لها ضرام .
فإن النار بالعيدان تذكى @
و إن الحرب مبدؤها الكلام .
أقول من التعجب ليت شعري @
أ أيقاظ أمية أم نيام ؟ .
فإن كانوا لحينهم نياما @
فقل قوموا فقد حان القيام )) .
" نصر بن سيار "
هذه الراديكالية أمر حتمي لكل متمرد معزول يتلاقح مع نفسه بعيدا عن التزاوج الطبيعي مع المحيط الذي ينجب أجنة فكرية جديدة هي هجين بين الاثنين تأخذ من ألم هذا و أمل ذاك راسمة طريقا وسطا يصلح مخاضة و معبرا إلى أفق الامل .
جففوا شلالات الأسى تأمنوا شر الحقوقيين و التجار و الابعدين و من في الجوار .

الأربعاء، 17 أغسطس 2016

تفكيك مفردة أختم به رسالتي إلى المعلم ابراهيم أعميرات .


أحمد ولد أرجيل
الانشاء و البداية و البناء مطلقا ـ بيتا للسكن كان أو حصنا يحمي أو طريقا يؤدي أو نفقا يذلل و يطوع جغرافيا أو جسرا يفك اختناقا مروريا أو فلح حقل زراعي يبتغى منه العيش و استرزاق المولى جل و علا أو ـ يبدأ بالحفر و التجريف و تشويه وجه كان ـ ربما ـ جميلا و ناعما و تعريضه لأخاديد و شقوق و حفريات عميقة مليئة بالطين و الأتربة و ما لا تأنس به النفس في الحالات الطبيعية غير الاستثنائية ، لكن بعد اكمال المرحلة الأولى تبدأ تلك التشوهات في الاختفاء رويدا رويد حتى تزول تماما فيأخذ المنجز شكله الجمالي و الوظيفي النهائي . و هذا التدرج في الاختفاء و كونه لم يأتي دفعة واحدة سببه أن كل مرحلة من هذه المراحل تحتاج قدرا من الجمال و الكمال قبلها تقوم عليه و قدرا من التشوه المرحلي و الخشونة ليكون عند اكتماله أساسا لما بعدها .
  كل ذلك العبث ـ شكلا ـ و الفوضى و العنف و التكسير و التشقيق و التخشين هو بداية حتمية لعمارة الأرض و إحياءها و تحقيق خلافة الانسان لله فيها ، فتبصر ـ أمتعنا الله و إياك بالبصر و البصيرة ـ كيف تحول كل ذلك الشقاء و العنف و الهمجية و التشويه إلى نعيم ولين و جمال و هدوء و سلام ، فحيت الأرض و أزَّينت و وهبت الانسان وافر المحصول ( طبعا تعبير مجازي فالله هو الواهب و المعطي ) و ارتفعت العمارات و الأبراج و تعبدت الطرق و الأنفاق و الجسور و دبت في ذلك الموات الحياة كل ذلك حدث بعد  " مبارحة البداية " موضوع التفكيك و هدفه . فلنفرض أن بناء بدأ مشروعا عمرانيا و بعد مرحلة أو مراحل من العمل توقف تحت أي سبب ( خيانة مثلا أو خلافا مع المالك أو موتا مجهزا ) فهل من الاستغلال الأمثل للوقت و الموارد و الجهد أن نتعهد ذلك البناء بالتدقيق فنحتفظ بالمفيد منه و نعالج أماكن الخلل ـ إن وجدت ـ و نكمل العمل ، أو أن نعمد إلى إزالة كل ما تم و نبدأ من جديد ؟! مؤكد أن الخيار الثاني مكلف و غير بناء . و هاك مثالا آخر على محاولة تفكيك " مبارحة البداية " يحتاج الرضيع في أيامه الأولى إلى نوع من الحليب ذي تركيبة غذائية خاصة يستمر عليه فترة يمده خلالها بأسباب النمو الذي يبدو عليه واضحا من خلال زيادة الحجم و تنامي الشعور بالمحيط و التفاعل مع المؤثرات و بعد فترة من الزمن يصبح ذات الحليب عديم الفائدة بل تنتج عنه عوارض سوء التغذية و أمراضها ما يعني وجوب تغييره بغيره ذي تركيبة مختلفة تتماشى مع عمره و حاجته الجديدة من العناصر المغذية و هكذا دواليك حتى يبلغ الفطام و يبدأ في تعاطي الطعام بذات التدرج الذي حصل مع الحليب . كذلك يكون التعامل مع أي واقع تعيس كالذي عيش في موريتانيا و عانى منه الكثيرون خصوصا من مكون الحراطين و انطلق نضالهم ضده فئويا بالدرجة الأولى . واقع يستند إلى الظلم و السطوة و فرض الذات على الآخرين و سلبهم حريتهم و ما يكسبون و يستمد استمراره و أسباب ديمومته من مجموعة من المعطيات المتجذرة في النفوس و المستحكمة في العقل الجمعي و المعقول . و يتكاتف على ترسيخها " التفسير الديني " و الأعراف و قوة النفوذ العصبوي القبلي  و احتكار الاجتهاد و التواطؤ بين القوى النافذة و المرجعيات المختلفة . ما أرمي الوصول إليه و أود إيصاله هو أن استنبات الجديد من الثقافة في البيئات البوار و التي لم تعهده من قبل يتطلب ريه بما يناسب مراحله كلها من الخطاب و طرق التعبير و أدواته .
  من المعلوم  ـ بديهيا ـ أن الخطاب هو الواجهة الأولى للنضال و المرآة العاكسة له ـ شكلا على الأقل ـ و هو الذي يقدمه للناس و هو الذي يجعلهم يتعاطون سلبا أو إيجابا معه لذلك كان تطويره لزاما حتى يواكب المستجدات و المتغيرات المحلية و الدولية لا يعني ذلك أنني أدعو إلى التخلي عن الخطاب أو الخط النضالي للحراطين إلا أن الجمود عند الشكل الفئوي لهذا الخطاب أو ذاك النضال سيكون عائقا ـ لا محالة ـ أمام وصوله إلى بقية الفئات بالشكل المطلوب و بالسرعة المرجوة و بأقل الخسائر في الوقت و الجهد . عندما نادت حركة الحر (( أخي الحرطاني )) كانت تستغل استغلالا ذكيا كذبة كبيرة  وضعتها الحكومة و أشاعتها أجواء المدينة و العيش في تجمعات يصعب امتهانها علانية تتمثل في ذلك الاسم الذي جمع السود الناطقين بالحسانية " الحراطين " بعد أن أصبحت كلمة العبيد محرجة للجميع و كذلك كذبة أن كل الناس أحرار و أنهم سواسية أمام مؤسسات الدولة  و هي حقيقة من الناحية النظرية البحتة لكن من الناحية التطبيقية كان ذلك كله هراء تكذبه الوقائع على الأرض فقد كان العبد الذي يموت يرث سيده ماله عن رضى و تسليم من ذويه إذا كانوا في البوادي و القرى الصغيرة و بالقضاء عندما تكون عوامل الرضى و التسليم و الخوف غير متوافرة و كنت شاهدا على حالة منها واحدة كان المعنيون يذهبون إلى قصر العدالة و يتنازعون و يتقاضون حتى صدر الحكم القضائي النهائي ببعض التعويضات لذوي الميت و بالورث للأسياد ( و الله على ما أقول شهيد ) و كان الخطاب وقتئذ يناسب أن تكون من بين مفرداته (( لا لحرمان أهل الميت الحرطاني من كده و تعبه و توريثها سيدا لازمه الكسل و الاتكال ليحصد في النهاية شقاء الناس و مدخراتهم )) كما يمكن ابتلاع عبارة أخرى (( لا لتملك البيظان للحراطين و استعبادهم وووو )) بالرغم من وجود ملاك آخرين للعبيد غيرهم إلا أن حيازتهم للأغلبية الساحقة من ذلك الملك تجيز تخصيصهم بالخطاب أما الآن فلا أعتقد أن تيك العبارات و المفردات مازالت واردة الحضور في الخطاب النضالي . لكن لا شك أن ثمة عبارات أخرى مازالت واردة و يجب أن تكون حاضرة بقوة في هذا الخطاب ـ من قبيل المطالبة بالمساوات في فرص العمل و التوظيف و تمويل المشاريع الفردية المدرة للدخل و أمام العدالة و في تلقي نفس المستوى من الخدمات ـ فلاحظ أن التخصيص في رفض الارث كان محل مباركة لأنه كان يخص فئة لا تشاركها فيه الفئات الأخرى لذلك وجبت تسمية الأشياء بمسمياتها . أما ما يخص العبارات الأخرى التي قلت إنها مازالت مركزية في هذا النضال أو يجب أن تبقى مركزية في الخطاب النضالي فإن ورودها يجب أن يتجاوز الفئة و التخصيص فكم في أحياء الصفيح من " كوكتيل الفئات " يجمع بينها قصر ذات اليد و وطأة الفقر و ألم الحاجة وقطعا من ظلم منها لا يجد من العدل إلا ما أنتزعه له الحي القيوم و من ذهب إلى المستشفى  لن يجد من العناية إلا الاهمال و الاعراض و قل مثل ذلك في ما لو حاول الحصول على قرض أو تقدم لشغل وظيفة ما لم تكن تأنها نفوس الطبقة الغنية من كافة الفئات و أعتقد أنه من الصعوبة بمكان أن نستطيع حشر الحكومات في زاوية التغيير الضيقة و إجبارها على تغيير السلوك في تعاطيها مع القضايا الوطنية ما دام هناك خطاب يمكن تصنيفه على أنه خطاب فئوي حشدوي و ستظل هذه الحكومات تستغله لتغطية فشلها في القيام بمهامها و مسؤولياتها بتسويفها لكل ذلك لمصلحة الدفاع عن السلم الاهلي و منع الفتنة و هلم جرا و لا تسأل عما يقود إليه ذلك من اختطاف البلد من الحال العادية إلى استمرا حالة الطوارئ التي هي أساس الظلم و تغول السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية و التشريعية و باقي مفاصل الأمل في التغيير و ما عليه الرهان في اقامة دولة المؤسسات دولة العدالة و القيم الانسانية النبيلة . هذه الاستقالة من المسؤولية المتمثلة في سيطرة الفساد و المحسوبية و النهب و اهمال البنى التحتية التي هي عماد كل نهضة تنموية و اساسها ، و مطاردة أشباح الفتنة و مهددات الوحدة و حماية الكيان من دعاة الانفصال كل ذلك مكر مكره المحافظون ليظلوا جاثمين على صدر المدينة الثكلى و سيجد من يستمع اليه و يحتضنه مادام يسمع صوتا آخر يمجد الفئة و الشريحة أفما حان وقت التقويم الشامل و التقييم ؟
مــــــــــــــــــــــــــــــــــلاحظة :
جمود الخطاب عند البدايات يمثل حالة عجز و انعدام رؤية قابلة للجمع ـ أو على الأقل يوحي بذلك ـ و يوازيه خطورة دفع صاحب النضال و حشره في زاوية المتهم الذي لا هم له إلا تبرئة نفسه و إن أفلح (( بعد هياط و مياط و شفاعة من قريش ود لو أنها حصلت من زمن " منقول بتصرف " )) يقال له خلاص فهمناك أنت رمز أنت وطني أنت لا تشكل خطرا ! فيركن إلى الدعة و الهدوء و تبقى القضية .       

السبت، 13 أغسطس 2016

رسالتي إلى المعلم ابراهيم اعميرات عميرات .


بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على النبي الكريم و بعد : 
أحمد أالرجيل
إلى المعلم الكاتب ابراهيم ولد اعميرات من أحمد ولد أرجيل اتتبع بإستمرار مقارباتك حول القضايا الوطنية بلغتك الواضحة الجميلة و التي تشكل جزء مهما مكملا لما تشهده الساحة الوطنية من حراك يهدف الى بلورة المواقف و بناء التراكم الضروري لتغيير ثقافة التهميش و الإقصاء و الرامي الى إقامة دولة المواطن التي تحميه و توفر له في حدود الإمكانيات الحد المقبول من العيش الكريم في ظل المساواة الكاملة في الحقوق و الواجبات حسب الموقع من الخارطة و القدرة على الإسهام ، دولة الفعل على الأرض ذي الشواهد الحية التي يراها كل من أعطي البصر و هو شهيد . عوض دولة المافيا و المحسوبيات و التي تقدم الواجب كرما و هبة و الحق صدقة يتبعها أذى غير مستحق تهبه من تشاء و تمنعه عمن تشاء في تكريس لافت لعمل العصابات و رجال الغابات .
يأتي على رأس هذه القضايا مسألة الرق التي للأسف ستضيع حتما بين نهج " الحقوقيين " و مكر الثقافة العتيقة ، و بين تخاذل الدولة و نشاط المخلفين المتخلفين عن ركب الحضارة و مسيرة البشرية غير المنتهية إلى الكمال ، هذه المسألة تحتاج مهارة من نوع خاص تحدد أنجع الطرق للوصول إلى الهدف و لا شك أن التعامل معها يجب أن ينطلق من التراكم الثقافي و الإجتماعي الذي تحقق خلا العقود الماضية و هو - رغم  تواضعه و بعده عن الكمال ـ يظل متكئا و قاعدة صالحة للبناء و الانطلاق الى ما نرجو ويجب ألا يظل عند نقطة البداية . إن لا مبارحة نقطة البداية خطوة خطيرة إهتدى إليها المحافظون و هي من أمكر أدوات كبح قطار التجديد و التغيير و تحمل في حقيقتها تشويها حارفا و جارفا لمسار النضال ، فهو في هذه الحال إما أن يكون عبثيا بلا رؤية واضحة تستطيع جني الإجابيات و تقول هل  من مزيد ؟ أو أن يكون وسيلة إعتياش لا يبتغي القائمون عليه غير إستمراره و كسب ما يدر من اموال و إمتيازات و من نتائج ذلك كثرة التصدعات و الإنشقاقات كلما زاد عدد الرؤوس الكبيرة في ظل الجشع و إنعدام وضوح الرؤية وشح  الموارد التمويلية .
كنت قد ذكرت في آنفا في هذه الرسالة ـ الرسائل بالأحرى ـ الموجهة إلى الأخ المعلم إبراهيم أعميرات أن حاضر النضال ضد الرق و العبودية ينبغي أن ينبني على ما حققه ماضيه من تراكمات ثقافية و اجتماعية مشاهدة بالعين المجردة ـ رغم تواضعها الشديد و حاجة بعضها إلى التقويم و حاجة كله إلى التقييم ـ و هذا يتطلب الرجوع قليلا إلى أحد أهم المنطلقات التي برز منها خلالها خطابه الأل ـ ولعله أهمها على الاطلاق لأنه شكل البداية و المدخل ـ التي منها يستقي ذلك النضال العادل قوة دفعه و مياه حياته و أسبابها و مبرراتها . و جدير بالذكر أنني هنا لا أقوم بوظيفة الواعظ و لا الناصح للأخ ابراهيم فهو ـ مع حداثته سنه ـ مكتهل ثقافة و وعيا و نضجا و لا يعدو الأمر أن يكون استعراضا معه و مدارسة لمجموعة من الهموم الوطنية و تحديدا منها ما يقع تحت عنوان (( الرق و مخلفاته )) .
   من البديهي أن يعمد أطباء العقول و توعية " الغُيَّبِ " المغيبين إلى العزف على أكثر الأوتار حساسية لجلب انتباه صم و جمع مشتتين لم يكن الواحد منهم يعتقد كمال آدميته و لا يعرف صلة موصلة إلى عصبة أو قَبِيلٍ ، و كان تبعا لذلك هائما في وحدته منهمكا بلا تفكير في إنجاز ما يوكل إليه من عمل ، هذا الوتر مهما بالغ في الغلو و الحصرية ضروري من أجل إيقاظ هذه النفوس الشبيهة بالأموات لجمعها و مخاطبتها بما يلامس الوجع الذي تعانيه و تشترك فيه و من أجل خلق حالة من  الاجتماع و التجمهر حول هم أو غاية يُسْتعاض بها عن رابطة الدم و صلات القربى التي تفتقر إليها تلك الفئات و هذا ما بدأت به حركة الحر رائدة التوعية و النضال ضد الرق و العبودية و مخلفاتهما . (( أخي االحرطاني )) كان ذلك إيذانا بتشكل شريحة جديدة سواء كانت جزء من مجتمع البيظان ـ كما يرى البعض و يبرر ـ أو كانت مستقلة عنه ـ كما ذهب البعض مؤخرا و برر ـ شكل ذلك المدخل عصى سحرية أيقظت الكثير ممن وصلتهم فمن كان يملك منهم أمر نفسه ساند الحركة جهارا و من لم يكن يملكه أو قد في نفسه الكثير من النزوع نحو الأمل الذي لاح و بدأ ينظر إلى نفسه على أنه ليس ما كان يعتقد و أنه كامل الآدمية و أن له حقوقا يجب أن ينالها رغم اختلافهم على الوسائل و الأدوات .
كانت لذلك الخطاب الحصري الفئوي مبرراته و أسبابه و نتائجه إذ لم يكن ثمة منطلق يوازيه جاذبية يمكن التعويل عليه فالجهل كان متفشيا و الاحساس بالإهمال و التهميش كان عارما طاغيا و كانت نفوس الحراطين مسرحا لكثير من الانفعلات التي تتشوف كلها لذلك المسيح المخلص فلم يكن ثمة أفضل لجمعها من صدى ذلك النداء (( أخي الحرطاني )). و بعد هذه العقود من ذلك التاريخ أصبحت للحرطاني هويته المستقلة على المستوى الفردي فلم يعد يصلي أو يصم أو يتصدق لينال السيد الأجر و إن ظلت الشريحة ككل تتنازعها هويات و هوايات أخرى قد لا تكون ماتة الصلة بالحاجة الآنية الملحة للفرد ، كما أنتشر التعليم المتاح بمختلف مستوياته بينهم و أصبح لديهم من الجاهزية و النضج ما يسمح بمخاطبتهم من منطلق آخر يعتمد على المطالبة بالعدالة و الحرية و العيش الكريم في ظل حكم مختار رشيد باسم المواطن هذه المرة و في الفضاء العام لمشاكل البلد التي تتصدرها مشكلة الرق و مخلفاته . هذا التطور في النضال يستهدف توسيع القاعدة الداعمة و تنوعها الأمر الذي يسرع من وتيرة الاندماج الاجتماعي و التغيير القافي . مؤكد أن البعض سيميل ـ حتما ـ إلى تسطيح هذه الفكرة لكن جرت العادة أن الجديد عندما يعجز القديم عن اجتثاثه في طور النشأة لا محالة بالغ مداه و حصول ذلك مناط بعوامل الوقت و جدية الجديد و وفائه و اخلاصه لمبادئه و واقعية أهدافه و قدرته على اقناع من يستشرف الأفول من ذلك القديم ، أنظر كم هو غض و ضعيف جنين حبة الذرة عندما يرتوي بالماء و فوقه ترقد صخرة صلبة فبمجرد أن يميل قليلا و يفادى الصدام المباشر معها عند ذات النقطة فإنه يخرج إلى فضاء الله الرحب حيث الشمس و الهواء و يظل ينمو وينمو حتى يؤتي أكله . الاصلاح الثقافي و الاجتماعي هو جنين حبة الذرة يرويه الشعور بالحاجة و السعي الدؤوب إلى التغيير ، أما الصخرة فهي الثقافة البالية التي تنتظم في سياق معين و تحمي نفسها برش مبيدات تستهدف أي نسق يحاول الخروج على نواميس و قوانين ذلك السياق . (( رحمة الله و غفرانه للدكتور الأديب محمد ولد عبدي )) مؤلف السياق و الانساق في الثقافة الموريتانية ( الشعر نموذجا ) تذكرته و أنا أسرق تلك العبارات ))


السبت، 7 مايو 2016

" تلدغ العقرب و تصيئ "




أحمد أرجيل

بادئ ذي بدء أود أن أنوه بالاعتذار الذي قدمه " محمد علي أخيار أنتاجو " عن منشوره الذي تحدث فيه عن تكاثر الحراطين خارج الاطار الشرعي و إلى انقطاع أنسابهم بعد الجد الأول و تحدى كل نخبهم و مثقفيهم أن يذكر أي منهم الأب الثالث من سلسلة نسبه في مقابل تسلسل نسب البيظان و خلوه ـ بالمطلق ـ من شوائب الفرية و اللقيطة ، كما أود أن أؤكد أن هذا التعقيب ليس نكئا للجراح و لا نبشا لما ردمه الرجل باعتذاره من إساءات . و رغم ذلك فمن السذاجة بمكان أن يثار هكذا موضوع يحمل ما يحمل من معاني التجريح و القدح و الانتقاص ثم تستطيع كلمتي " أسحب ، أعتذر " طيه و محو آثاره و كأن الناس الواح ذكية تستطيع أن تكتب فيها ما تشاء كما تشاء وقت ما تشاء ثم تمحوه بمساحة السحب و الاعتذار . كما أستعفيكم ( اطلب العفو ) من الاحالة العدائية للعنوان شكلا لكن مضمونها لا يعدو عندي الاستعارة و المجاز و تسمية الأفعال بمسمياتها .
ما أثاره المنشور ينبغي تناوله في إطار التدافع الثقافي و ذلك يستلزم التعاطي المستفيض الذي يُشَرِّحُ الظواهر تشريحا دقيقا يسبر غورها و يحاول النفاذ من محيطها الشكلي إلى عمقها المعنوي من خلال تمحيص أسبابها و تتبع انعكاساتها على الفرد و المجتمع لعل في ذلك ما يساهم في علاج الآثار السلبية لتلك الظواهر أو ما يشيع و يعزز الجوانب الايجابية لها ـ إن وجدت ـ .
ما كنت لأتوقف عند هذا المنشور لو كان رأيا لصاحبه ـ بغض النظر عن صوابيته من خطئه ـ و لكنت اعتبرته نوعا من  التمترس في ما تبقى من معاقل التمنع و الوهم التي لا تفتأ تتهاوى تحت ضربات الوعي المتزايد بضرورة التغير في الثقافة و السلوك، إلا أن كل ذلك أباه علي ما اعتبرته توظيفا غير مسئول و غير مبرر و غير منصف لحالة تاريخية فرضها واقع مرير بأيد لا ترحم قاهرة لجعل الضحية تتقوقع على نفسها و تحتجب بغيوم عار مفروض دفعت إليه دفعا بفعل الجشع و الاستزادة في الثروة و المنعة ، و اجترارا لماض كان فيه الحرطاني ( العبد ) مفعولا به مجرورا و مدفوعا إلى حيث لا يريد لو كان يعيش في ظروف عادية رغم الطاعة العمياء و الانقياد المطلق رغبة أو رهبة ، و كأن هذا الاجترار يستعير معنى بيت جرير التميمي (( فغض الطرف إنك من نمير @@ فلا كعبا بلغت و لا كلابا )) .
لا شك أن مسألة الانبتات في الصلة بين الطارف و التليد أو بين السلف و الخلف من الآباء و الأبناء كانت صحيحة إلا أن هذا المنحى بالذات يتطلب الاجابة عن سؤال كبير مركزي يجمع شتات هذه المعمعة كلها: ماهي العوامل المنتجة و المؤثرة و الحامية للقيم و الفضائل التي تحكم سلوك الناس و توجهها ؟ القيم مجموعة من القواعد و المبادئ تواضع مجتمع ما على فضليتها و مثاليتها فأتخذها مرتكزا لسلوكه و معيارا لقياس مدى تمسك هذه السلوك بالأخلاق و الفضيلة ،يجازي و يعاقب وفق موقع الفعل منها قربا أو بعدا .
منها ما هو إنساني كالزواج  ـ مثلا لا حصرا ـ بكل صيغه و التي تختلف من شعب إلى شعب أو من ثقافة إلى ثقافة و هو مؤسسة الانجاب الشرعية الوحيدة و الأساس الأخلاقي الأول للتكاثر و خلق المجتمعات التي تحكمها وشائج القربى و تداخل الدماء و و الأنساب و المتجانسة المؤمنة ـ عادة ـ بنفس القيم و الساعية لإشاعتها فيما بينها و حمايتها من الغزو الخارجي أو الخروج عليها من الداخل ، هذا الواقع و ذاك الترابط يلجمان جماح الفرد و إندفاعه في التصرف بنفسه خلافا لما قام الدليل على خضوعه لتلك القيم التي تقوم على توجيه السلوك و تزكيتها و الوصاية عليها . كان هذا المعطى متوفرا لكل شرائح المجتمع في الماضي ما عدا شريحة الحراطين فقد كان يحول الانتقال المستمر بين الاسياد و القبائل ـ بيعا أو هبة أو نذرا إلى غير ذلك من صيغ التنازل و التملك ـ دون تشكيلها لتلك الكتلة المترابطة التي يفرض حضورها في ذهن الفرد الانصياع لإرادتها و ما تملي عليه ـ بفعل الترابط العضوي ـ من توجيه السلوك وفقا لمنظومتها القيمية .
فلكم أن تتخيلوا أدباي ( حي العبيد ) يتبع لحي أو لقبيلة أو جهة و هو في حقيقته فسيفساء منها ما ينتمي إلى خارج حدود الاقليم و لا يربطه من الصلات غير الانتماء لنير العبودية لهذه الجهة أو ذلك الحي أو تلك القبيلة ، فهل يعقل أن تكون عورة فرد منه معبرة عن عورات بقيته في نظرهم ؟ عامل آخر من عوامل الايمان بالقيم و حافز كبير على حمايتها و هو عامل العلم و المعرفة و الذي يستقي منه الانسان السمو و الرفعة و الاخلاق باعتبارها تمثل إرادة الله سبحانه و تعالى فهل كان هذا العامل متوفر لهذه الطبقة و من المسئول عن ذلك ؟ عامل آخر من عوامل الانبتات و القطيعة في النسب و هو بيع الأمة أو سبيها بلا حرب و لا هم يحزنون و هي حامل فتنجب عند المالك  ـ المتملك على الأصح ـ فيكون المنجب دعيا لا يعرف له أب و لا عشيرة ، فلا دعوة الابن لأبيه التي ندب إليها الحق سبحانه و تعالى تعني الناس في هذه الحالة و لا الأخوة في الدين ـ التي توجب صون الكرامة ـ و التي هي بديلة في حال تعذر معرفة الأصل و النسب تعني أحدا هنا بقدر ما يعنيه أن يوجد ميزة لذلك الكائن يتعرف من خلالها أنه المعني بالأوامر و النواهي الواردة إليه .فعلى من يقع هذا المأخذ ؟
أخيرا في هذا المحور لكم أن تتخيلوا عذراء حين برز نهداها غضة طرية غرة لم تميز بعد خيرا من شر ما يعني أنها عجينة طيعة قابلة للتشكل في أي قالب ، متدفقة حيوية و نشاطا و تعج بالغريزة التي هي دليل استواء ينفي الشذوذ و يؤكد انتظام السلوك في طبيعة الاشياء ، تمشي مستعرضة ما حباها الله به من فتنة تغوي أكثر الرهبان رهبانية على مرأى و مسمع من الجميع بل وبمباركة من الجل إن لم نقل الكل ، ترميها الأقدار في واقع لا تحكمه نخوة و لا علم بالله لله ، فهل تتوقعون منها أن تكون مريم العذراء عليها السلام نقاء و طهرا ، أم هل تتوقعون منها أن تدأب على توزيع المتعة في الغدو و الرواح و لا يكون هناك أثر أو ثمرة لذلك التوزيع يتمثل في جيش عرمرم من البنين و البنات ؟ .
خلاصة القول أن ما ذهب إليه ول أخيار أنتاجو لا يخلو من حقيقة لكن من المسئول عن تلك الحقيقة ، و من الذي يجلله عارها ؟
لا تنكس رأسك أيها الحرطاني أيها الحرطاني لأن أمك تعلمت أنها تستطيع أن تأخذ من متع الحياة الجسدية ما تهرب به من شظف العيش و قسوته ، و من أقصر طريق يوفر عليها تعقيدات زواج لن تجده بمفهومها هي  للزواج و إن وجدت فارس أحلامها لا تأمن تغييبه عنها بيعا أو هبة ، فمارست المتاح فأنجبتك دعيا سائبا ، لن يضرك ذنب لم تشترك فيه و قد أثبت هذا الزمن أن الطهارة ليست حكرا على لون كما القذارة و كما البلادة و الذكاء و هلم جرا . (( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسئلون عما كانوا يعملون )) البقرة الآية 134  




        

الثلاثاء، 23 فبراير 2016

أعذروا صالحا فكل من جاء بعد الشاذلي غرق في بحره كما وكيفا .


أحمد الرجيل


عندما يطرق سمعك عنوان ( شاهد على العصر ) بصوت أحمد منصور الندي و لغته القوية المؤثرة تأخذك الذاكرة سريعا في رحلة عبر الزمن لتحطك هناك حيث سجلت الحلقات الذهبية منه في الزمن الذهبي للجزيرة مع الفريق أول سعد الدين الشاذلي ( رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية ) الاسبق و المهندس و المنفذ لحرب 73 فيتضخم أملك في الشهادة و يكبر طمعك في المعلومة و التاريخ بلغة جميلة تأسر عشاق سيبويه و مفتونيه جنبا الى جنب مع مرتادي روض التاريخ و صحاريه فتستعيد معه ذكرياته في سرد ممتع و تحليل عميق بعد أن شاء الله له أن يشاهد آثار و تبعات الأحداث التي صنعها أو شارك في صناعتها من زاوية المشاهد و بعين الرقيب ، ذكريات رجل و إن كان من رجال الدكتاتوريات التي جثمت على الواقع العربي و ما زالت إلا أنه كان متميزا كضابط محارب أثبت مهنيته و إيمانه العميق بتخصصه و تفانيه و إضطلاعه عن جدارة بالدور المنوط به إضافة الى كونه عنصرا فاعلا في ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من أحداث في مرحلة من أدق و أصعب مراحلها كانت لتغير حالها غير هذه لو كان المستوى السياسي على مستوى تضحية و كفاءة العسكريين أمثال الفريق سعد الدين . ( أنصح بقراءة مذكرات الرجل لمن لم يقرأها ) .
و كان لإيمان الرجل بقدرة الجندي العربي على البلاء الحسن و العطاء الجزيل في المعركة اذا ما توفرت له فرصة العمل تحت قيادة مؤمنة واعية فاعلة و مبادرة ، أقول كان له عظيم الأثر على مجريات حرب 73 أو حرب العبور ( حرب التحريك لا التحرير عند المستوى السياسي ) .
هناك جملة من من الاعتبارات تضافرت لتكسب شهادة الرجل تلك الاهمية لم تتوافر مجتمعة - برأئي - لغيره ممن سجلوا شهاداتهم بمن فيهم الرائد السابق صالح - مع احترامي لهم - من هذه الاعتبارات ثقل مصر و وزنها على الساحتين الإقليمية و الدولية و موقع الرجل على رأس جيش من أهم الجيوش في المنطقة يوم ذاك و حتى الآن ، الاهمية و المركزية العالمية لمنطقة الشرق الاوسط و مرور و إرتباط الكثير من المصالح الدولية بها ، مركزية الصراع العربي الاسرائيلي و تأثيره على السياسات الدولية ، الأثر الذي خلفه الإنتصار الجزئي أثر بارز بإنعاشه للآمال العربية في إمكانية العيش و النجاح و جسر الهوة بين ضعف الحال و قوة العدو التي كانت توحي بمحالية غير الخضوع له ، كما أن للتناغب العجيب بين السرد المستفيض الشيق و التحليل العميق لها -حتى لكأنك تعيشها الساعة روحا و مادة فتحبس أنفاسك و أنت تتشرب عبا ذلك التوثيق التاريخي من شاهد شاهد الحدث بكل تفاصيله و تجلياته و خبرها قربا و إحتكاكا .
كل ذلك جعل شهادات الذين أتوا بعده ـ مع كامل الاحترام ـ تبدو محجمة حد التقزيم ـ بما فيهم الرائد صالح ولد حننه ما لم يفجر مفاجأة في ما تبقى من حلقات و هو إحتمال مستبعد لا تزكيه أو تقويه الظروف التي عايشها عسكريا و مدنيا مرورا بمحاولته الانقلابية التي لم يكتب لها النجاح ـ و لا يعني ذلك نفي الأهمية عن تلك الشهادات التي تم تسجيلها بعد شهادة الشاذلي، بل كانت هناك شهادات من العيار الثقيل على تفاوت بينها في ذلك ملحوظ كشهادة نائب الرئيس المصري الأسبق حسين الشافعي صاحب الشخصية القوية الذي أستطاع أن يلجم تغول أحمد منصور و هيمنته على ضيوفه و سيطرته الدائمة على مسارات الحوار و توجيه أجوبتهم ببراعة إلى حيث لا يريدون  ، و كشهادة المغربي محمد المرزوقي الطالب بمدرسة الضباط  و التي تستمد قيمتها من تراجيديتها و مأساويتها لفتيان أغرار لم يتخرج بعضهم بعد سيقوا بأوامر فوقية بلا علم و لا إرادة إلى صراع الكراسي  لتنهي تلك الأوامر آمالهم قبل بدايتها و تطوح أحلامهم و ترمي بهم إلى غياهب " تازمامارت " النموذج المصغر لبقية السجون و الزبانية في العالم الثالث و ما تكشفه تلك السجون من كفر بواح بأبسط الحقوق و الأخلاق الانسانية.                                                                                          فما الذي تبقى للرائد شاهدا يجعل من شهادته صوتا غير نشاز و يضمن لها الحد المعقول من التناغم مع قيمة و حجم تلك الشهادات ؟ يبدو أن نموذجي الشاذلي و الشافعي تأبيا عليه فهل يستطيع أن يجاري المرزوقي في صراحته و جرأته التي كشفت تلك الفظاعات التي حصلت في المغرب الشقيق و الجار خصوصا ان حقبة التسعينات عندنا مليئة بالاسئلة المعلقة التي تحتاج إلى أجوبة  شافية ، و حبلى بالأسرارالتي تبحث عن ساحر أو خبير يفك طلاسمها ؟ كما أن محاولته الانقلابية يكتنفها الكثير من الغموض حول عدد الضحايا و من قتل ولد انجيان قائد الاركان ولماذا يتم التركيز عليه وحده دون بقية الضحايا إذا كان هناك ضحايا غيره ؟ صحيح أن الرجل كان يخدم ! في موقع مهم لكنه عليه رحمة الله كان يتقاضا بالمقابل ما يناسب تلك الرتبة و ذلك الموقع علما أن من هم في رتبه كانوا يأكلون أخضر البلد و يابسه . وعما تردد وقتها بلا دليل عن عملية نهب واسعة نفذها فرسان التغيير للبنك المركزي تحسبا لفشل المحاولة ؟                                                                                                                                                                                                        مما لاشك فيه أن لدى الرائد ما يقوله إذا قرر ذلك بتجرد . لكن السؤال يبقى مشروعا عما إذا كان بمقدوره أن يوظف شجاعته التي التي يفتأ موالوه يمجدونه بها في الدفع بالحقيقة عن تلك المرحلة الأشد و جعا من تاريخ البلد إلى السطح و إعتماد السرد المستفيض المسنود بالدليل المادي المنتزع من الواقع قبل و بعد المحاولة  بدل التحليل و التفسير الذي يحتمل أكثر من وجه أم أن سيف مصلحة البلد المصلت على كل صادر و وارد من القول و فتاوى التكفير و الكفر بالوحدة الوطنية الجاهزة و الحائمة فوق الرؤوس سيخدران الرجل و يدفعانه إلى الهذيان بدل القول الفصل . ذلك ما سيعرفه من كتب الله له عمرا حتى نهاية شهادة الرجل .

الأحد، 25 أكتوبر 2015

التجديد : بين التطرف و الاعتدال و العزل و الاحتضان .

أحمد أرجيل

من الطبيعي جدا في زمن الانكشاف على العالم والاكتشاف أن يموج بلد كموريتانيا ـ كان إلى وقت قريب منتبذا قصيا عصيا على التكيف مع ثقافة المدنية والحداثة بحكم موقعه الجغرافي المحصور من كل الجهات بالعوائق الجغرافية ( الصحاري القاحلة و المحيط الأطلسي ) و ما فرض عليه ذلك الموقع من عزلة أنتجت بداوة متجذرة الأمر الذي يحجم ـ إن لم نقل يمنع ـ تفاعله وتكامله مع المراكز الحيوية التي تتحكم في حركة العالم ومسيرته نحو الرقي والتقدم ـ أقول أن يموج بما نشاهد الآن من صراعات و مشاحنات طائفية و تدافع بين ثقافة قائمة عتيقة مهيمنة على المشهد وبين رؤى جديدة تعمل جاهدة لإيجاد مواقع لها على الساحة الاجتماعية بعدما تأكدت أن تلك الثقافة لم تعد تمثلها أو تستجب لحاجاتها أو أنها لم تعد مجبرة على مسايرتها و الخضوع لها إذا كان قبولها سالفا بالجبر و الإكراه . ولا غرابة في أن تمس هذه الرؤى في بداياتها كل موروث قيمي في أثناء بحثها المتخبط عن الجادة الصحيحة بعدما فقدت الثقة في ما هو قائم و لما تهد بعد إلى البديل الأنجع والأسلم.                                                                                                           
وهذه القيم ميدان الصراع هي خليط عجيب تمتزج فيه الخرافة بالحقيقة والثابت بالمتحول و الدين بالعادة  مسيجة بالرؤية الخاصة والتفسير الذاتي للظواهر الحياتية المستند ـ غالبا ـ إلى المصالح الشخصية أو الفئوية التي أنتجتها وحمتها العزلة والعيش في حيز الفوضى ردحا من الزمن و الترعرع خارج نظام ملزم أو تحت رعاية سلطة سياسية جابرة .                          
و نتيجة لهذا التداخل والتماهي بين عناصر الثقافة العتيقة فإن الأنماط الجديدة المتمردة وهي في بداية اندفاعتها  لا تستشعر ضرورة غربلتها وتمييزها والفصل بين القيم الثابتة التي لا تقبل المساس أو الاقتراب وبين الاجتهادات المتجددة والمتغيرة حسب الظروف والأحوال وما هو متاح من أدوات التوظيف لهذا الاجتهاد أو ذاك .                                                                                                                          
ربما يرجع السبب في ذلك إلى الجهل بوجود هذه الفوارق ـ أصلا ـ و ربما يكون مع سبق إصرار وتبييت نية إلا أن كل ذلك يبقى قابلا للترويض و التهجين مادام ممارسة علنية ستتقوم ذاتيا بفعل تراكم التجربة و عاملي التأثر والتأثير بالتفاعل مع البيئة و المحيط و لا يعدو الشطط في الطرح الذي يعتري بعضه أن يكون تفريغا لمرارات و نفثا لآهات موروثة استوطنت البواطن و تصدأت في الصدور يساعد إخراجها على استعادة التوازن و الهدوء و التوطئة لعودة العقل بعد خمود جذوة العاطفة المجيشة المتغذية على الغبن و الإقصاء و المظلومية التاريخية وعلى الرغم من الشدة و الحدة اللتين تصطبغ  بهما بعض الخطابات فإن عزلها وتركها تنمو منفردة و تتكاثر سفاحا مع ذاتها دون أن تتلاقح التلاقح الطبيعي مع مجتمعها و محيطها يبقى أشد و أنكى .                                                                                                                                                              
كانت لحظة اكتشاف العالم لحظة فارقة في حياة البلد نظر فيها المجتمع نفسه بعين الناقد المقارن وقاس درجته بالمعايير العالمية وعرض ثقافته وفهمه للحياة على موازينها فأكتشف انتماءها إلى غابر العصور و تخلفها وتأخرها وكمَّ وحجمَ الغبن الهائل الذي يعاني منه الكثيرون فانفلتت المشاعر و كوامن النفوس من عقلها منادية على نفسها بالمدروس و المرتجل و الراشد و السفيه من الوسائل والأدوات في رحلة بحث صاخبة ومضنية عن الذات و الحقوق تقودها العواطف و الانفعالات و يسيطر على أدائها ضيق الأفق و محدودية الرؤية  ويزيدها التصاقا بذلك النهج ما تقابل به من رفض و تسفيه و وسم بالعمالة فلا تجد مناصا من التشدد و التكتل حول الذات لخلق هوية خاصة تجتذب الآمل و المحبط و المؤمن و من تكلف  فتتوطد الفئوية و تترسخ  و يقتصر الهدف ـ في أحسن الحالات ـ على ترقيعات فئوية بحجة المشاركة سرعان ما تتكشف سرا بيتها  و بعدها عن الصواب ، بل وتأسيسها لميلاد كون فدرالية شرائحية قاتلة تتقاسم الموارد و النفوذ وفقا لمحاصصات لا تقيم للكفاءة وزنا و لا للفرد خارج الفئة قيمة أواعتبارا .                                                                                                                                               
بات لزاما ـ في ظل هذه الأوضاع ـ طرق باب تحاشى كثيرون الخوض فيه خشية التصنيف الذي يستخدم من قبل " المحافظين " ـ حتى يكون التوصيف  مهذبا ـ خنجرا للطعن في خاصرة إرادة التغيير وللإجهاز على الثقة التي يلزم بناؤها وجود آراء مستقلة غير محسوبة على توجه ولا تيار وتحتفظ لنفسها بهامش حركة واسع يمنحها القدرة على مخاطبة أكثر من جهة و العمل مع أكثر من تيار لخلق بيئة ثقافية خصبة تستنبت الإصلاح و تساهم في تسويقه و إيصاله إلى جميع الفرقاء  .                                                                                                  
و تجدر الاشارة هنا إلى أن ما تغص به هذه المرحلة في ظاهره تجاذبات و تشنجات فئوية أما في حقيقته فإنه إعادة تشكل ثقافية معقدة و ولادة قيصرية لمستوى جديد من الوعي لم تسلم منه أمة من الأمم في لحظة اكتشاف زيف المسلمات و قصورها عن توفير الحاجة و لحظة الإفاقة من سكرة الأمنية على الحقيقة و الواقع و اكتشاف الفجوة السحيقة بينهما ، كما يمكن اعتباره أو تحويله بقليل من الحكمة و الاحتراف إلى غزل ثقافي مقدمة لتزاوج طبيعي يجسر الهوة بين المحافظة والتجديد و المبدإ و الاجتهاد و التمادي في الظلم و المبالغة في التظلم .                                                                                                                                                                                                                                       
وبالاقتراب أكثر من تفاصيل المشهد الموريتاني و تحديدا في مجتمع البظان ( كما يحلو للبعض تسميته و أنا منهم طبعا ) تبرز كتجل لهذا الرفض والصراع بعض العناوين الأكثر حضورا  وتعبيرا والتي سأكتفي منها ب " إيرا و حراك لمعلمين " في إشارة موجزة إليهما مثالا لا حصرا ، ( للموجود والمرتقب ) تحاول النفاذ إلى عمق المنظومة الثقافية التي أنتجتهما و وفرت لهما الظهير و المسند ، و كعرض من أعراض التدافع الثقافي الضروري في حياة الأمم و غيض من فيض غبارها و هي تقد السير في رحلتها الأبدية نحو الكمال  ، كما و باعتبارهما وضعا قائما له ماله وعليه ما عليه لا ينبغي تجاهله بغض النظر عن تبنيه أو رفضه .                                                                                               
لست هنا في وارد التزكية أو الإدانة لأشخاص الحراكين و لا يعنون ( الأشخاص ) لي شيئا على الاطلاق في حين تعني لي طروحاتهما و منطلقاتهما كل شيء و سأكتفي بذكر الدافع المعلن لكليهما دون التطرق إلى مصداقية الأشخاص و عمالتهم و ما يشاع  من ذلك هروبا و تهربا من مواجهة استحقاقات آن لها أن تؤدى و لم يعد ممكنا تسويفها حتى لو اتفقنا ـ جدلا ـ أن رافعها هو الشيطان الرجيم كما سأذكر ما أعتقد أنه أخطاء واقعة منهما و تجاههما على حد سواء لعل في ذلك ما يساهم في توضيح الرؤية و تجلية الاحتياج و ترسيخ مفهوم التعايش مع الاختلاف دون الانجرار إلى التخندق أو التعصب ، فبقدرما لم يعد مقبولا أو ممكنا اختزال الرؤية الجمعية وحصر التصورات في الثقافة التقليدية أو التسليم بدكتاتورية الموروث و سلطته المطلقة فإنه يجب ـ أيضا ـ الوقوف بحزم أمام أي مسلك من شأنه أن يدعم فكرة الرمز العظيم أو الرمز المؤله سواء كان فردا أو كان شريحة .                                                                                                                               
و يبدو أن مدرسة التعظيم والتأليه التي كانت تحتل موقع الصدارة في الثقافة العتيقة و تسيجت بها مقاماتها المصطنعة و تترس بها منطقها السقيم وحمته من النقد و الغربلة  قد ألقت بظلالها على الجميع ووزعت بينهم فكرة "ضرورة الانتماء إلى شيء مميز عال " فارتهنوا لها و بدؤوا بصناعة آلهتهم و أربابهم و مرجعياتهم المقدسة و نسوا أو تناسوا أن معاناتهم ما كانت لتكون لولا تلك الأفكار التأليهية و تلك القداسات ( على وزن أيامات )  التي أضفت على البعض العصمة و جعلت اجتهاده في مقام التنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .                                                                                                  
رفعت حركة إيرا مسألة العبودية و ما كانت تعانيه شريحة العبيد ( الحراطين ) من مآسي لا يمكن مقارنتها بأي معاناة أو مأساة عاشتها فئة أخرى فهي ليست معصومة الدماء و بلا ديات و إنما لها أثمان تنقص بعيوب منها الزواج و إحصان الفروج المطلوب شرعا ولم يمنع من حق التملك و يحرم العيش في كنف عائلة بعمليات البيع و التنقل المستمر بين الملاك و المناطق غيرها و لم تنزع الولاية عمن تحت القوامة من زوجة و أبناء إلا منها هي وهذا اقتباس من تعليق لي سابق على أحد المناشير يُوصِّف معاناة هذه الشريحة : (( لم تعاني شريحة الحراطين التهميش و الإقصاء إلا مؤخرا ـ شأنها في ذلك شأن باقي الفقراء و من لا يمتلكون الجاه أو المال أو العلم  من الشرائح الأخرى ـ ذلك أن ما كانت تعانيه سابقا كان استئصالا بكل ما تحمله الكلمة من معنى و على كل جوانب حياتها فاستؤصل عقلها بالتجهيل و استؤصلت طهارتها بإشاعة البغاء بينها و عدم إنكاره عليها و إقناعها بمنزلة هي أقرب إلى منزلة الحيوان فاستمرئت الواقع و وأدت ضمائرها في رماله علها تعيش بسلام خلية من الصراع الطبيعي بين الضمير الحي الذي ينزع إلى الطهر فطرة و بين الغرائز التي لا ترحم و المستحكمة في نفوس مكدودة لا تجد في المحيط مواسيا أو منسيا للهموم غير الانغماس في الرغبة و  إشباع الغريزة حد السكر أو الغيبوبة ، كما استؤصلت اجتماعيا بوسائل التفريق المختلفة حيث ترتحل البنت المتزوجة من قبيلة أخرى بالبعض و يباع البعض لقبيلة أخرى فينتمي لها عرفا ما يعني استئصال نواة مجتمع ذي علاقة عرقية تتداخل فيه العمومية مع الخصوصية فيلجم توجه الفرد في التصرف بذاته بخطام الإرادة الجمعية لمن يرتبط بهم عضويا مع ما يوفره ذلك من بناء الخصوصية و حمايتها و إنتاج ما تدعو إليه الحاجة من القيم و المبادئ و الحمية العصبية و تبدأ رحلة التأسيس من جديد و يبدأ الركض الحثيث خلف سراب و وهم العائلة و العصبة .                                                                                                                 
و للإنصاف لم يقتصر امتلاك العبيد ( الحراطين لاحقا ) على شريحة دون أخرى فقد أمتلكهم الجميع الزوايا و حسان و إيكاون و المعلمين و ( الحراطين إلى حد ما ) و من لم يمارس عليهم ما ذكرت فذلك منه منة لا تلزمه به الأعراف الاجتماعية التي تربى عليها ( إلا من رحم ربي )  و من الطبيعي جدا أن تجد من بين أبنائها من يثور على هذا الواقع أو التاريخ ـ لأن الأمر لم يعد واقعا و إن ظلت بعض آثاره بارزة للعيان ـ و من الطبيعي أيضا إن تمر تلك الثورة أو ذلك الرفض بمراحل النمو التي يمر بها الإنسان من الجنينية إلى النضج  مرورا بالصبا و المراهقة مع ما يصاحب ذلك من سقطات و مآخذ تستمد مبرر تفهمها من مرارة الدافع و نبل الهدف و قلة التجربة  . و يتوجب على الجميع حمايتها من خطر الانعزال و التقوقع و ذلك بالاستماع و الاحتضان و الترفق الأمر الذي يسهم في نزع الشعور بالظلم و يساهم في بروز رؤى جديدة داخلها لا تنظر إلى التاريخ كمحرك و إنما تجد في المستقبل باعثا على الحركة و الأمل مع ما يتطلبه ذلك من حسابات تأخذ الشركاء و تأثيرهم و وسائل كسبهم بعين الاعتبار .  ))  و من دواعي الأسف أن النصوص القانونية المكلفة بعلاجه تعطل في جل الحالات ـ إلا أن رؤيتها ( إيرا ) لم تستطع تجاوز تلك المرارة و فشلت أدبيا في توظيفها التوظيف الصحيح الذي يقدم الحلول الجزئية في إطار شامل يرفع شبهة العنصرية و الطائفية عن خطها و خطابها  كما أن الزي الموحد الذي يلبسه بعض منتسبيها يعطيها شكلا ميليشاويا يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن سلميتها ظرفية أو حتى أنها ليست سلمية و أن هذه اللاسلمية متدرجة و تستخدم الآن العنف اللفظي استخداما مفرطا و يطالعنا بين الفينة و الأخرى ـ و هو ما يحتم على العقلاء منها الإدانة و البراءة ـ  شباب ممن يدعون الانتماء إليها على الفيس و هم يحملون السلاح و يدعون إليه فيتذكر الآخر قصيدة نصر بن سيار (( أرى تحت الرماد وميض نار .... ))  .                                                                                               
و قام " حراك لمعلمين " على أساس مقاومة الدونية و محو مياسمها التي طبعها المجتمع التقليدي عليهم ردحا من الزمن حتى استكانوا لها إسمتراء أو تسليما ، وكانت لفظة ( لمعلم ) مقترنة زورا في ثقافة المجتمع بالشراهة و الكذب و الجبن و إخلاف الوعود والغدر بالعهود و دونية النسب بل و النسبة لغير آدم و تارة النسبة لفرعون و أخرى لليهود و هذه العناوين لا شك أنها محركة للإنسان و دافعة إلى المقاومة و التمرد و ( حراك لمعلمين ) بذلك المعنى يكون إيقاظا لهوية منومة و بعثا للروح من جديد في جسد أبلاه العزل و قتله الاحتقار و الجحود قرونا ، و عملا محمودا لرفع ظلم اجتماعي و  ثقافي ماحق و رفضا لواقع محاد لله و مجانف للفطرة السليمة التي فطر عليها القلوب و الألباب و هو عمل لا خلاف على مشروعيته و وجوبه إلا أنه من جهة أخرى كان خطابه أميل إلى التاريخ و التفاضل و التفضيل و التغني بالشريحة لإثبات حقها في رفع الظلم و فاته أن الحق في ظل الدولة الحديثة مكفول للعالم و الجاهل للصالح و الطالح . و بالغ بعضهم ـ أو لنقل ـ أكثر من البكاء على الماضي و قدم من ذلك أكثر مما أقترح من الحلول للمستقبل و يطرح بعض قيادييه خيار المحاصصة ـ صراحة ـ كحل مؤقت بديلا للإقصاء و التهميش ريثما تنضج الدولة و تبلغ سن الرشد ، و هو حل برأي أبتر سينقل المعركة إلى داخل الشريحة نفسها لمحاصصة الحصة و لا تسأل عما يستتبع ذلك ويلات كما أنه يضاعف الجهد في الحد الأدنى فأنت تهدر وقتا و جهدا في بناء مرحلة و ذات العوائق و العراقيل تظل قائمة عندما تنتقل ـ حسب رأيك ـ إلى المرحلة الاخرى  و فضل بعضهم شريحة لمعلمين على غيرها من الشرائح فعزا لها كل فضل في الصناعة و العلم و الإنتاج و الأمن حتى قال  (( لولا لمعلم لما قامت لأحد من البظان قائمة )) ، ولاشك أن هذه المجالات قاطبة أسهم فيها لمعلم بشكل معتبر و أساسي إلا أن التركيز عليه كعنصر وحيد فيها هو مجانفة للحقيقة ـ أولا ـ و إقصاء ـ ثانيا ـ   للآخرين ممجوج و مرفوض و هو سعي ـ ربما غير مقصود ـ إلى تكريس الشريحة " الإله " أو شعب الله المختار تماما كسيف الإسلام و حجته و كسمية لحوم العلماء التي تحصن بها الاجتهاد و أجلَّت العالم عن الزلل و الخطأ في ضرب واضح و فج لعرض الحائط بصريح التنزيل وصحيح السنة و مقبول المأثور قال تعالى { ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))146} و في الحديث :{ حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ محمد بن غالب ، ثنا شهاب بن عباد ، ثنا عبد الله بن بكير ، عن حكيم بن جبير ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : " القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة . قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ، وقاض عرف الحق فجار متعمدا فهو في النار ، وقاض قضى بغير علم فهو في النار  .                                                                                                                   
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وله شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم . انتهى    . و ينسب  للشافعي رحمه الله : (( رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب )) و كل ذلك يؤكد أن  العلم ليس بالعصمة للعالم و لا قطعية على صحة اجتهاده مع الاحتفاظ للعلم بقيمته و بركته و للعالم بمقامه العالي و منزلته السامية .                                                                                               
وعلى تفاوتهما في حدة الطرح و الجرأة في النقد وفي الاقتراب من المناطق المحظورة فإن اشتراكهما في المظالم التاريخية و رفعهما مطالب تخص فئات بذاتها أجاز طرحهما وجهين لعملة واحدة وهما لسان الحال  الناطقة عن باقي الفئات و الشرائح المصنفة سفلى في المجتمع والتي ما زالت صامتة حتى حالآن صمتا لا يلبث أن يتحول إلى همهمة فدمدمة فصيحات مدوية ((مهددة بالويل والثبور و عظائم الأمور)) ما لم تتم معالجة الأسباب في إطار من العدالة الشاملة تتجاوز ضيق المظلمة  التاريخية والفئوية إلى الفضاء الرحب للآلام والاحتياجات الواسعة والمتسعة باضطراد للمجتمع و الدولة .                                                                   
و من جهتهم ما كان " المحافظون " أكثر حظا من النضج و لا أبعد توفيقا في تعاطيهم معهما فتراوح الرد بين النكران و الاحتجاج بوجود قانون لمعالجة هذه القضايا متناسين أنه و في حقيقته أعرج في بعضه و مقيد بالأعراف و المقامات في البعض الآخر ، و بين الرمي بالعمالة و تهديد الأمن الداخلي و تعريض الوحدة الوطنية للخطر في جهل صارخ و تجاهل مقيت لمتطلبات كل تلك العناوين من الاحتضان و الاحتواء و الاستماع و العدل تمهيدا للتعامل الجدي بعد ذلك مع أي عرض شاذ يخرج عليها أو يتبنى طرحامتطرفا .                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   

الاثنين، 20 أبريل 2015

السجال الصفري

                                                                                                 
أحمد الرجيل
 
تكشف كل هزة تتعرض لها موريتانيا أن انفصاما في الشخصية متأصلا يسكننا و يهيمن هيمنة مطلقة على تعاطينا معها و ردات فعلنا عليها و يتجلى ذلك بوضوح في التعاطي المقزز مع الإساءات الدينية و التطاول على الذات الإلهية (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون )) و مقام النبوة الكريم المعصوم الذي أصبح ديدن البعض و مؤشرا على حركة دائبة تملأ رويدا رويدا  ما فرغ من أفئدة بفعل التوظيف  المفضوح للدين و القيم النبيلة و تسخيرها لمآرب أخرى و بات لزاما على الجميع التعاطي معها بحجم خطورتها و الابتعاد عن دفن الرؤوس في الرمال و تفسيرها بالتزلف للغرب وكونها أقصر الطرق للحصول على اللجوء .                                                                                                                                                                           و في الوقت الذي يتخبط فيه البلد و يسير حثيثا على غير هدى إلى غير هدف بسبب غياب الحكم الرشيد و البروز اللافت للزندقة و الإلحاد و في الوقت الذي يفرض النضج و التعقل علينا التكاتف حيالها و العمل معا لخلق بيئة صحية تستطيع لملمة الشتات و دهن الشعث و الوصول إلى درجة من الانسجام ـ ولو كانت بتأجيل المهم لصالح الأهم ـ تمتلئ فضاءات التواصل الاجتماعي بما يمكن نعته بالتوظيف غير الموفق من حيث التوقيت لخطايا و سيئات يتجاوز وقعها الحيز الجغرافي و الروحي لموريتانيا إلى مليار و نصف مليار مسلم في كل أنحاء المعمورة و هو أمر إن لم يتنبه له الجميع سينزع كل شرعية عن أي جهد نضالي يهدف إلى إعادة التوازن للتركيبة الاجتماعية و إعادة صياغة ثقافة مجتمعية تخدم السلم الأهلي و الوحدة الوطنية بإنصاف الجميع و بمحو الظلم و آثاره عمن لا يزال يعانيه .                                                                                                                                                              عندما تم تمزيق المصحف الشريف ثارت ثائرة البعض بلا بصيرة و هاجم المصالح العامة و الخاصة نصرة للقرآن الكريم و كأن أولئك المساكين الذين أوذوا في كتابهم المنزل ومصدر عقيدتهم هم من مزقوه و هدد هذا البعض ـ بصفته و شخصه و على مرأى و مسمع ممن يعنيهم الأمر ـ بالويل و الثبور إن لم تقبض الحكومة على الفاعل المستتر مما يعني أن الضمير العائد إليه تحدد في خيالاتهم فحاكموه و أدانوه بأدلة فهمهم أو أوهامهم و قرروا إلزام الآخرين التوقيع على حكمهم ذاك .                                                                                                                   وعندما حدثت جريمة ول أمخيطير أدانه الجميع غير أصوات نشاز على تفاوت في تلك الإدانة بَيِّنٌ و احتدم صراع مرير بين من أجمعوا على ذلك فطالب البعض بإعدامه حدا و لج في ذلك و نعته ب ( افريخ لمعلمين ) في محاولة واضحة للتأثير سلبا على (حراك لمعلمين ) الذي بدأ يشق طريقه ثابتا و رقما واعدا في المعادلة الوطنية و تناسى هذا البعض سرعة تبرؤهم منه و خصوصا أسرته ـ كما قيل ـ و أنه لم يكن ممثلا و لا ناطقا باسمهم حين كتب مقاله السوءة  .                                                  وتبرأ لمعلمين منه تبرأً لم يستطع الإفلات من شراك الكيد فطفقوا يخصفون على غليان المجتمع و تشدده تجاهه من التعليلات و القراآت الذهنية ما زاد الطين  بلة و أنه ما كان ليحظى بذلك القدر من الإدانة لو كان ينتمي لأحد البيوتات الكبيرة حسب التوصيف الاجتماعي و ذات السجال و الدوران في الحلقة المفرغة تتكرر بعد مصافحة منت أصوينع لبعض الدبلوماسيين و عقدت المقارنات بينها و بين حادثة مشابهة حدثت مع منت مكناس .                                                                              ثم كانت الطامة الكبرى و التي يشيب منها الوليد و يطيش من هولها لب اللبيب وهي إساءة ول إلمامي التي لا تفيها كل نعوت البذاءة نصيبها و ما تستحق من ذلك فكانت فتحا جديدا لهواة المناكفات و اللجاج و حلبة رحبة لمحترفي العراك و المصارعة و لم تسلم من تداعياتها خطبة إمام جامع محمد بن سعود و فسرت الصغار و المسكنة الواردتين فيها تفسيرا متحيزا و متهما و على أنهما دليل حنو و اعذار في حصرية ممجوجة للمعاني اللغوية و إجتزاء غير مستساغ قال تعالى ((قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ )) و في معجم المعاني الجامع: (( المسكنة : فقر وضعف و حرص على طلب الدنيا )) و كفى به مذمة و لا أزكي الخطيب و لا أنفي عنه أي شيء يقال عنه لأني لا أعرفه و أمره لا يعنيني من قريب و لا من بعيد و حميتي هنا للغة و اللغة فقط .                                                                                                                                                                       يبقى القول أن كفى تماديا في السذاجة و الغباء و اعتبار الزندقة و الإلحاد تزلفا للغرب و حيلة تستوهب اللجوء فكل ذلك كذب و دجل تمليه عقدة الكمال التي نعيشها و التي تحتم علينا نكران كل منقصة نعلم يقينا أنها موجودة وسافرة . كما أنه لمن العجز المفضوح أن نتسمر في مواقفنا و نتجمد في مواقعنا و لا نستطيع استثمار المشترك بيننا إجماعا و أن نتصيد في ما تعكر من مياه الحياء و ما تجدب من صحاري النفوس رغم ندرت الطرائد .                                                                                                   

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More