![]() |
أحمد أرجيل |
من الطبيعي جدا في زمن الانكشاف على العالم
والاكتشاف أن يموج بلد كموريتانيا ـ كان إلى وقت قريب منتبذا قصيا عصيا على التكيف
مع ثقافة المدنية والحداثة بحكم موقعه الجغرافي المحصور من كل الجهات بالعوائق الجغرافية
( الصحاري القاحلة و المحيط الأطلسي ) و ما فرض عليه ذلك الموقع من عزلة أنتجت بداوة متجذرة الأمر الذي يحجم
ـ إن لم نقل يمنع ـ تفاعله وتكامله مع المراكز الحيوية التي تتحكم في حركة العالم ومسيرته
نحو الرقي والتقدم ـ أقول أن يموج بما نشاهد الآن من صراعات و مشاحنات طائفية و تدافع
بين ثقافة قائمة عتيقة مهيمنة على المشهد وبين رؤى جديدة تعمل جاهدة لإيجاد مواقع لها
على الساحة الاجتماعية بعدما تأكدت أن تلك الثقافة لم تعد تمثلها أو تستجب لحاجاتها
أو أنها لم تعد مجبرة على مسايرتها و الخضوع لها إذا كان قبولها سالفا بالجبر و الإكراه
. ولا غرابة في أن تمس هذه الرؤى في بداياتها كل موروث قيمي في أثناء بحثها المتخبط
عن الجادة الصحيحة بعدما فقدت الثقة في ما هو قائم و لما تهد بعد إلى البديل الأنجع
والأسلم.
وهذه القيم ميدان الصراع هي خليط عجيب تمتزج
فيه الخرافة بالحقيقة والثابت بالمتحول و الدين بالعادة مسيجة بالرؤية الخاصة والتفسير الذاتي للظواهر الحياتية
المستند ـ غالبا ـ إلى المصالح الشخصية أو الفئوية التي أنتجتها وحمتها العزلة والعيش
في حيز الفوضى ردحا من الزمن و الترعرع خارج نظام ملزم أو تحت رعاية سلطة سياسية
جابرة .
و نتيجة لهذا التداخل والتماهي بين عناصر
الثقافة العتيقة فإن الأنماط الجديدة المتمردة وهي في بداية اندفاعتها لا تستشعر ضرورة غربلتها وتمييزها والفصل بين القيم
الثابتة التي لا تقبل المساس أو الاقتراب وبين الاجتهادات المتجددة والمتغيرة حسب الظروف
والأحوال وما هو متاح من أدوات التوظيف لهذا الاجتهاد أو ذاك .
ربما يرجع السبب في ذلك إلى الجهل بوجود
هذه الفوارق ـ أصلا ـ و ربما يكون مع سبق إصرار وتبييت نية إلا أن كل ذلك يبقى قابلا
للترويض و التهجين مادام ممارسة علنية ستتقوم ذاتيا بفعل تراكم التجربة و عاملي التأثر
والتأثير بالتفاعل مع البيئة و المحيط و لا يعدو الشطط في الطرح الذي يعتري بعضه أن
يكون تفريغا لمرارات و نفثا لآهات موروثة استوطنت البواطن و تصدأت في الصدور يساعد
إخراجها على استعادة التوازن و الهدوء و التوطئة لعودة العقل بعد خمود جذوة العاطفة
المجيشة المتغذية على الغبن و الإقصاء و المظلومية التاريخية وعلى الرغم من الشدة و
الحدة اللتين تصطبغ بهما بعض الخطابات فإن
عزلها وتركها تنمو منفردة و تتكاثر سفاحا مع ذاتها دون أن تتلاقح التلاقح الطبيعي مع
مجتمعها و محيطها يبقى أشد و أنكى .
كانت لحظة اكتشاف العالم لحظة فارقة في
حياة البلد نظر فيها المجتمع نفسه بعين الناقد المقارن وقاس درجته بالمعايير العالمية
وعرض ثقافته وفهمه للحياة على موازينها فأكتشف انتماءها إلى غابر العصور و تخلفها وتأخرها
وكمَّ وحجمَ الغبن الهائل الذي يعاني منه الكثيرون فانفلتت المشاعر و كوامن النفوس
من عقلها منادية على نفسها بالمدروس و المرتجل و الراشد و السفيه من الوسائل والأدوات
في رحلة بحث صاخبة ومضنية عن الذات و الحقوق تقودها العواطف و الانفعالات و يسيطر على
أدائها ضيق الأفق و محدودية الرؤية ويزيدها
التصاقا بذلك النهج ما تقابل به من رفض و تسفيه و وسم بالعمالة فلا تجد مناصا من
التشدد و التكتل حول الذات لخلق هوية خاصة تجتذب الآمل و المحبط و المؤمن و من
تكلف فتتوطد الفئوية و تترسخ و يقتصر الهدف ـ في أحسن الحالات ـ على ترقيعات
فئوية بحجة المشاركة سرعان ما تتكشف سرا بيتها
و بعدها عن الصواب ، بل وتأسيسها لميلاد كون فدرالية شرائحية قاتلة تتقاسم الموارد
و النفوذ وفقا لمحاصصات لا تقيم للكفاءة وزنا و لا للفرد خارج الفئة قيمة أواعتبارا
.
بات لزاما ـ في ظل هذه الأوضاع ـ طرق باب
تحاشى كثيرون الخوض فيه خشية التصنيف الذي يستخدم من قبل " المحافظين " ـ
حتى يكون التوصيف مهذبا ـ خنجرا للطعن في خاصرة
إرادة التغيير وللإجهاز على الثقة التي يلزم بناؤها وجود آراء مستقلة غير محسوبة على
توجه ولا تيار وتحتفظ لنفسها بهامش حركة واسع يمنحها القدرة على مخاطبة أكثر من
جهة و العمل مع أكثر من تيار لخلق بيئة ثقافية خصبة تستنبت الإصلاح و تساهم في
تسويقه و إيصاله إلى جميع الفرقاء .
و تجدر الاشارة هنا إلى أن ما تغص به
هذه المرحلة في ظاهره تجاذبات و تشنجات فئوية أما في حقيقته فإنه إعادة تشكل ثقافية
معقدة و ولادة قيصرية لمستوى جديد من الوعي لم تسلم منه أمة من الأمم في لحظة اكتشاف
زيف المسلمات و قصورها عن توفير الحاجة و لحظة الإفاقة من سكرة الأمنية على الحقيقة
و الواقع و اكتشاف الفجوة السحيقة بينهما ، كما يمكن اعتباره أو تحويله بقليل من الحكمة
و الاحتراف إلى غزل ثقافي مقدمة لتزاوج طبيعي يجسر الهوة بين المحافظة والتجديد و المبدإ
و الاجتهاد و التمادي في الظلم و المبالغة في التظلم .
وبالاقتراب أكثر من تفاصيل المشهد الموريتاني
و تحديدا في مجتمع البظان ( كما يحلو للبعض تسميته و أنا منهم طبعا ) تبرز كتجل لهذا
الرفض والصراع بعض العناوين الأكثر حضورا وتعبيرا
والتي سأكتفي منها ب " إيرا و حراك لمعلمين " في إشارة موجزة إليهما مثالا
لا حصرا ، ( للموجود والمرتقب ) تحاول النفاذ إلى عمق المنظومة الثقافية التي
أنتجتهما و وفرت لهما الظهير و المسند ، و كعرض من أعراض التدافع الثقافي الضروري في
حياة الأمم و غيض من فيض غبارها و هي تقد السير في رحلتها الأبدية نحو الكمال ، كما و باعتبارهما وضعا قائما له ماله وعليه ما
عليه لا ينبغي تجاهله بغض النظر عن تبنيه أو رفضه .
لست هنا في وارد التزكية أو الإدانة لأشخاص
الحراكين و لا يعنون ( الأشخاص ) لي شيئا على الاطلاق في حين تعني لي طروحاتهما و
منطلقاتهما كل شيء و سأكتفي بذكر الدافع المعلن لكليهما دون التطرق إلى مصداقية
الأشخاص و عمالتهم و ما يشاع من ذلك هروبا
و تهربا من مواجهة استحقاقات آن لها أن تؤدى و لم يعد ممكنا تسويفها حتى لو اتفقنا
ـ جدلا ـ أن رافعها هو الشيطان الرجيم كما سأذكر ما أعتقد أنه أخطاء واقعة منهما و
تجاههما على حد سواء لعل في ذلك ما يساهم في توضيح الرؤية و تجلية الاحتياج و ترسيخ
مفهوم التعايش مع الاختلاف دون الانجرار إلى التخندق أو التعصب ، فبقدرما لم يعد مقبولا
أو ممكنا اختزال الرؤية الجمعية وحصر التصورات في الثقافة التقليدية أو التسليم بدكتاتورية
الموروث و سلطته المطلقة فإنه يجب ـ أيضا ـ الوقوف بحزم أمام أي مسلك من شأنه أن يدعم
فكرة الرمز العظيم أو الرمز المؤله سواء كان فردا أو كان شريحة .
و يبدو أن مدرسة التعظيم والتأليه التي
كانت تحتل موقع الصدارة في الثقافة العتيقة و تسيجت بها مقاماتها المصطنعة و تترس بها
منطقها السقيم وحمته من النقد و الغربلة قد
ألقت بظلالها على الجميع ووزعت بينهم فكرة "ضرورة الانتماء إلى شيء مميز عال
" فارتهنوا لها و بدؤوا بصناعة آلهتهم و أربابهم و مرجعياتهم المقدسة و نسوا أو
تناسوا أن معاناتهم ما كانت لتكون لولا تلك الأفكار التأليهية و تلك القداسات ( على
وزن أيامات ) التي أضفت على البعض العصمة و
جعلت اجتهاده في مقام التنزيل الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
.
رفعت حركة إيرا مسألة العبودية و ما كانت
تعانيه شريحة العبيد ( الحراطين ) من مآسي لا يمكن مقارنتها بأي معاناة أو مأساة عاشتها
فئة أخرى فهي ليست معصومة الدماء و بلا ديات و إنما لها أثمان تنقص بعيوب منها الزواج
و إحصان الفروج المطلوب شرعا ولم يمنع من حق التملك و يحرم العيش في كنف عائلة بعمليات
البيع و التنقل المستمر بين الملاك و المناطق غيرها و لم تنزع الولاية عمن تحت القوامة
من زوجة و أبناء إلا منها هي وهذا اقتباس من تعليق لي سابق على أحد المناشير يُوصِّف
معاناة هذه الشريحة : (( لم تعاني شريحة الحراطين التهميش و الإقصاء إلا مؤخرا ـ شأنها في ذلك
شأن باقي الفقراء و من لا يمتلكون الجاه أو المال أو العلم من الشرائح الأخرى ـ ذلك أن ما كانت تعانيه
سابقا كان استئصالا بكل ما تحمله الكلمة من معنى و على كل جوانب حياتها فاستؤصل
عقلها بالتجهيل و استؤصلت طهارتها بإشاعة البغاء بينها و عدم إنكاره عليها و
إقناعها بمنزلة هي أقرب إلى منزلة الحيوان فاستمرئت الواقع و وأدت ضمائرها في
رماله علها تعيش بسلام خلية من الصراع الطبيعي بين الضمير الحي الذي ينزع إلى
الطهر فطرة و بين الغرائز التي لا ترحم و المستحكمة في نفوس مكدودة لا تجد في
المحيط مواسيا أو منسيا للهموم غير الانغماس في الرغبة و إشباع الغريزة حد السكر أو الغيبوبة ، كما
استؤصلت اجتماعيا بوسائل التفريق المختلفة حيث ترتحل البنت المتزوجة من قبيلة أخرى
بالبعض و يباع البعض لقبيلة أخرى فينتمي لها عرفا ما يعني استئصال نواة مجتمع ذي
علاقة عرقية تتداخل فيه العمومية مع الخصوصية فيلجم توجه الفرد في التصرف بذاته
بخطام الإرادة الجمعية لمن يرتبط بهم عضويا مع ما يوفره ذلك من بناء الخصوصية و
حمايتها و إنتاج ما تدعو إليه الحاجة من القيم و المبادئ و الحمية العصبية و تبدأ
رحلة التأسيس من جديد و يبدأ الركض الحثيث خلف سراب و وهم العائلة و العصبة .
و للإنصاف لم يقتصر امتلاك العبيد ( الحراطين لاحقا ) على شريحة دون
أخرى فقد أمتلكهم الجميع الزوايا و حسان و إيكاون و المعلمين و ( الحراطين إلى حد
ما ) و من لم يمارس عليهم ما ذكرت فذلك منه منة لا تلزمه به الأعراف الاجتماعية
التي تربى عليها ( إلا من رحم ربي ) و من
الطبيعي جدا أن تجد من بين أبنائها من يثور على هذا الواقع أو التاريخ ـ لأن الأمر
لم يعد واقعا و إن ظلت بعض آثاره بارزة للعيان ـ و من الطبيعي أيضا إن تمر تلك
الثورة أو ذلك الرفض بمراحل النمو التي يمر بها الإنسان من الجنينية إلى
النضج مرورا بالصبا و المراهقة مع ما
يصاحب ذلك من سقطات و مآخذ تستمد مبرر تفهمها من مرارة الدافع و نبل الهدف و قلة
التجربة . و يتوجب على الجميع حمايتها من
خطر الانعزال و التقوقع و ذلك بالاستماع و الاحتضان و الترفق الأمر الذي يسهم في
نزع الشعور بالظلم و يساهم في بروز رؤى جديدة داخلها لا تنظر إلى التاريخ كمحرك و
إنما تجد في المستقبل باعثا على الحركة و الأمل مع ما يتطلبه ذلك من حسابات تأخذ
الشركاء و تأثيرهم و وسائل كسبهم بعين الاعتبار .
)) و من دواعي الأسف أن النصوص القانونية المكلفة بعلاجه
تعطل في جل الحالات ـ إلا أن رؤيتها ( إيرا ) لم تستطع تجاوز تلك المرارة و فشلت أدبيا
في توظيفها التوظيف الصحيح الذي يقدم الحلول الجزئية في إطار شامل يرفع شبهة العنصرية
و الطائفية عن خطها و خطابها كما أن الزي الموحد
الذي يلبسه بعض منتسبيها يعطيها شكلا ميليشاويا يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن سلميتها
ظرفية أو حتى أنها ليست سلمية و أن هذه اللاسلمية متدرجة و تستخدم الآن العنف اللفظي
استخداما مفرطا و يطالعنا بين الفينة و الأخرى ـ و هو ما يحتم على العقلاء منها
الإدانة و البراءة ـ شباب ممن يدعون
الانتماء إليها على الفيس و هم يحملون السلاح و يدعون إليه فيتذكر الآخر قصيدة نصر
بن سيار (( أرى تحت الرماد وميض نار .... ))
.
و قام " حراك لمعلمين " على أساس
مقاومة الدونية و محو مياسمها التي طبعها المجتمع التقليدي عليهم ردحا من الزمن حتى
استكانوا لها إسمتراء أو تسليما ، وكانت لفظة ( لمعلم ) مقترنة زورا في ثقافة المجتمع
بالشراهة و الكذب و الجبن و إخلاف الوعود والغدر بالعهود و دونية النسب بل و
النسبة لغير آدم و تارة النسبة لفرعون و أخرى لليهود و هذه العناوين لا شك أنها
محركة للإنسان و دافعة إلى المقاومة و التمرد و ( حراك لمعلمين ) بذلك المعنى يكون
إيقاظا لهوية منومة و بعثا للروح من جديد في جسد أبلاه العزل و قتله الاحتقار و
الجحود قرونا ، و عملا محمودا لرفع ظلم اجتماعي و ثقافي ماحق و رفضا لواقع محاد لله و مجانف
للفطرة السليمة التي فطر عليها القلوب و الألباب و هو عمل لا خلاف على مشروعيته و
وجوبه إلا أنه من جهة أخرى كان خطابه أميل إلى التاريخ و التفاضل و التفضيل و
التغني بالشريحة لإثبات حقها في رفع الظلم و فاته أن الحق في ظل الدولة الحديثة
مكفول للعالم و الجاهل للصالح و الطالح . و بالغ بعضهم ـ أو لنقل ـ أكثر من البكاء
على الماضي و قدم من ذلك أكثر مما أقترح من الحلول للمستقبل و يطرح بعض قيادييه
خيار المحاصصة ـ صراحة ـ كحل مؤقت بديلا للإقصاء و التهميش ريثما تنضج الدولة و
تبلغ سن الرشد ، و هو حل برأي أبتر سينقل المعركة إلى داخل الشريحة نفسها لمحاصصة
الحصة و لا تسأل عما يستتبع ذلك ويلات كما أنه يضاعف الجهد في الحد الأدنى فأنت
تهدر وقتا و جهدا في بناء مرحلة و ذات العوائق و العراقيل تظل قائمة عندما تنتقل ـ
حسب رأيك ـ إلى المرحلة الاخرى و فضل
بعضهم شريحة لمعلمين على غيرها من الشرائح فعزا لها كل فضل في الصناعة و العلم و الإنتاج
و الأمن حتى قال (( لولا لمعلم لما قامت لأحد
من البظان قائمة )) ، ولاشك أن هذه المجالات قاطبة أسهم فيها لمعلم بشكل معتبر و أساسي
إلا أن التركيز عليه كعنصر وحيد فيها هو مجانفة للحقيقة ـ أولا ـ و إقصاء ـ ثانيا
ـ للآخرين ممجوج و مرفوض و هو سعي ـ ربما غير مقصود
ـ إلى تكريس الشريحة " الإله " أو شعب الله المختار تماما كسيف الإسلام و
حجته و كسمية لحوم العلماء التي تحصن بها الاجتهاد و أجلَّت العالم عن الزلل و الخطأ
في ضرب واضح و فج لعرض الحائط بصريح التنزيل وصحيح السنة و مقبول المأثور قال تعالى
{ ((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ
ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ))146} و
في الحديث :{ حدثنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق ، أنبأ محمد بن غالب ، ثنا شهاب بن عباد
، ثنا عبد الله بن بكير ، عن حكيم بن جبير ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، عن النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم - قال : " القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في
الجنة . قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ، وقاض عرف الحق فجار متعمدا فهو في النار
، وقاض قضى بغير علم فهو في النار .
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وله
شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم . انتهى
. و ينسب للشافعي رحمه الله : (( رأيي
صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب )) و كل ذلك يؤكد أن العلم ليس بالعصمة للعالم و لا قطعية على صحة اجتهاده
مع الاحتفاظ للعلم بقيمته و بركته و للعالم بمقامه العالي و منزلته السامية .
وعلى تفاوتهما في حدة الطرح و الجرأة في
النقد وفي الاقتراب من المناطق المحظورة فإن اشتراكهما في المظالم التاريخية و رفعهما
مطالب تخص فئات بذاتها أجاز طرحهما وجهين لعملة واحدة وهما لسان الحال الناطقة عن باقي الفئات و الشرائح المصنفة سفلى
في المجتمع والتي ما زالت صامتة حتى حالآن صمتا لا يلبث أن يتحول إلى همهمة فدمدمة
فصيحات مدوية ((مهددة بالويل والثبور و عظائم الأمور)) ما لم تتم معالجة الأسباب في
إطار من العدالة الشاملة تتجاوز ضيق المظلمة
التاريخية والفئوية إلى الفضاء الرحب للآلام والاحتياجات الواسعة والمتسعة باضطراد
للمجتمع و الدولة .
و من جهتهم ما كان
" المحافظون " أكثر حظا من النضج و لا أبعد توفيقا في تعاطيهم معهما فتراوح
الرد بين النكران و الاحتجاج بوجود قانون لمعالجة هذه القضايا متناسين أنه و في حقيقته
أعرج في بعضه و مقيد بالأعراف و المقامات في البعض الآخر ، و بين الرمي بالعمالة و
تهديد الأمن الداخلي و تعريض الوحدة الوطنية للخطر في جهل صارخ و تجاهل مقيت لمتطلبات
كل تلك العناوين من الاحتضان و الاحتواء و الاستماع و العدل تمهيدا للتعامل الجدي بعد
ذلك مع أي عرض شاذ يخرج عليها أو يتبنى طرحامتطرفا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق