![]() |
أحمد الرجيل |
عندما
يطرق سمعك عنوان ( شاهد على العصر ) بصوت أحمد منصور الندي و لغته القوية المؤثرة تأخذك
الذاكرة سريعا في رحلة عبر الزمن لتحطك هناك حيث سجلت الحلقات الذهبية منه في الزمن
الذهبي للجزيرة مع الفريق أول سعد الدين الشاذلي ( رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية
) الاسبق و المهندس و المنفذ لحرب 73 فيتضخم أملك في الشهادة و يكبر طمعك في المعلومة
و التاريخ بلغة جميلة تأسر عشاق سيبويه و مفتونيه جنبا الى جنب مع مرتادي روض التاريخ
و صحاريه فتستعيد معه ذكرياته في سرد ممتع و تحليل عميق بعد أن شاء الله له أن يشاهد
آثار و تبعات الأحداث التي صنعها أو شارك في صناعتها من زاوية المشاهد و بعين الرقيب
، ذكريات رجل و إن كان من رجال الدكتاتوريات التي جثمت على الواقع العربي و ما زالت
إلا أنه كان متميزا كضابط محارب أثبت مهنيته و إيمانه العميق بتخصصه و تفانيه و إضطلاعه
عن جدارة بالدور المنوط به إضافة الى كونه عنصرا فاعلا في ما شهدته منطقة الشرق الأوسط
من أحداث في مرحلة من أدق و أصعب مراحلها كانت لتغير حالها غير هذه لو كان المستوى
السياسي على مستوى تضحية و كفاءة العسكريين أمثال الفريق سعد الدين . ( أنصح بقراءة
مذكرات الرجل لمن لم يقرأها ) .
و كان
لإيمان الرجل بقدرة الجندي العربي على البلاء الحسن و العطاء الجزيل في المعركة اذا
ما توفرت له فرصة العمل تحت قيادة مؤمنة واعية فاعلة و مبادرة ، أقول كان له عظيم الأثر
على مجريات حرب 73 أو حرب العبور ( حرب التحريك لا التحرير عند المستوى السياسي )
.
هناك
جملة من من الاعتبارات تضافرت لتكسب شهادة الرجل تلك الاهمية لم تتوافر مجتمعة - برأئي
- لغيره ممن سجلوا شهاداتهم بمن فيهم الرائد السابق صالح - مع احترامي لهم - من هذه
الاعتبارات ثقل مصر و وزنها على الساحتين الإقليمية و الدولية و موقع الرجل على رأس
جيش من أهم الجيوش في المنطقة يوم ذاك و حتى الآن ، الاهمية و المركزية العالمية لمنطقة
الشرق الاوسط و مرور و إرتباط الكثير من المصالح الدولية بها ، مركزية الصراع العربي
الاسرائيلي و تأثيره على السياسات الدولية ، الأثر الذي خلفه الإنتصار الجزئي أثر بارز
بإنعاشه للآمال العربية في إمكانية العيش و النجاح و جسر الهوة بين ضعف الحال و قوة
العدو التي كانت توحي بمحالية غير الخضوع له ، كما أن للتناغب العجيب بين السرد المستفيض
الشيق و التحليل العميق لها -حتى لكأنك تعيشها الساعة روحا و مادة فتحبس أنفاسك و أنت
تتشرب عبا ذلك التوثيق التاريخي من شاهد شاهد الحدث بكل تفاصيله و تجلياته و خبرها
قربا و إحتكاكا .
كل ذلك جعل شهادات
الذين أتوا بعده ـ مع كامل الاحترام ـ تبدو محجمة حد التقزيم ـ بما فيهم الرائد
صالح ولد حننه ما لم يفجر مفاجأة في ما تبقى من حلقات و هو إحتمال مستبعد لا تزكيه
أو تقويه الظروف التي عايشها عسكريا و مدنيا مرورا بمحاولته الانقلابية التي لم يكتب
لها النجاح ـ و لا يعني ذلك نفي الأهمية عن تلك الشهادات التي تم تسجيلها بعد
شهادة الشاذلي، بل كانت هناك شهادات من العيار الثقيل على تفاوت بينها في ذلك
ملحوظ كشهادة نائب الرئيس المصري الأسبق حسين الشافعي صاحب الشخصية القوية الذي
أستطاع أن يلجم تغول أحمد منصور و هيمنته على ضيوفه و سيطرته الدائمة على مسارات
الحوار و توجيه أجوبتهم ببراعة إلى حيث لا يريدون ، و كشهادة المغربي محمد المرزوقي الطالب بمدرسة
الضباط و التي تستمد قيمتها من تراجيديتها
و مأساويتها لفتيان أغرار لم يتخرج بعضهم بعد سيقوا بأوامر فوقية بلا علم و لا
إرادة إلى صراع الكراسي لتنهي تلك الأوامر
آمالهم قبل بدايتها و تطوح أحلامهم و ترمي بهم إلى غياهب " تازمامارت "
النموذج المصغر لبقية السجون و الزبانية في العالم الثالث و ما تكشفه تلك السجون
من كفر بواح بأبسط الحقوق و الأخلاق الانسانية. فما الذي تبقى للرائد
شاهدا يجعل من شهادته صوتا غير نشاز و يضمن لها الحد المعقول من التناغم مع قيمة و
حجم تلك الشهادات ؟ يبدو أن نموذجي الشاذلي و الشافعي تأبيا عليه فهل يستطيع أن
يجاري المرزوقي في صراحته و جرأته التي كشفت تلك الفظاعات التي حصلت في المغرب
الشقيق و الجار خصوصا ان حقبة التسعينات عندنا مليئة بالاسئلة المعلقة التي تحتاج
إلى أجوبة شافية ، و حبلى بالأسرارالتي
تبحث عن ساحر أو خبير يفك طلاسمها ؟ كما أن محاولته الانقلابية يكتنفها الكثير من
الغموض حول عدد الضحايا و من قتل ولد انجيان قائد الاركان ولماذا يتم التركيز عليه
وحده دون بقية الضحايا إذا كان هناك ضحايا غيره ؟ صحيح أن الرجل كان يخدم ! في
موقع مهم لكنه عليه رحمة الله كان يتقاضا بالمقابل ما يناسب تلك الرتبة و ذلك
الموقع علما أن من هم في رتبه كانوا يأكلون أخضر البلد و يابسه . وعما تردد وقتها
بلا دليل عن عملية نهب واسعة نفذها فرسان التغيير للبنك المركزي تحسبا لفشل
المحاولة ؟ مما لاشك فيه أن لدى الرائد ما يقوله إذا قرر ذلك بتجرد . لكن السؤال يبقى
مشروعا عما إذا كان بمقدوره أن يوظف شجاعته التي التي يفتأ موالوه يمجدونه بها في
الدفع بالحقيقة عن تلك المرحلة الأشد و جعا من تاريخ البلد إلى السطح و إعتماد
السرد المستفيض المسنود بالدليل المادي المنتزع من الواقع قبل و بعد المحاولة بدل التحليل و التفسير الذي يحتمل أكثر من وجه
أم أن سيف مصلحة البلد المصلت على كل صادر و وارد من القول و فتاوى التكفير و
الكفر بالوحدة الوطنية الجاهزة و الحائمة فوق الرؤوس سيخدران الرجل و يدفعانه إلى
الهذيان بدل القول الفصل . ذلك ما سيعرفه من كتب الله له عمرا حتى نهاية شهادة
الرجل .
0 التعليقات:
إرسال تعليق