![]() |
أحمد أرجيل |
نستقبل كل سنة الثامن و العشرين من
نفمبر بذات المشاعر من الآلام و الآمال التي استقبلناه و ودعناه بها السنة الماضية
و كأن مراكب المسايرة الطبيعية للزمن و حركة التاريخ قد تعطلت بنا في ذات المكان
من الزمان فتوقفت الحركة و ساد الجمود حتى أكمل العام دورته و جاء نفمبر مرة أخرى يتمايل متبخترا يتهادى على أشلاء الآمال الخائبة الميتة كمدا و المنتحرة يأسا و
قنوطا ليجدنا كما نحن لا تغيُّر و لا تجدُّد لا في الشكل و لا في الجوهر اللهم إلا
فنونا جديدة قديمة مستحكمة في النفوس من الاتكاء و الاتكال على قديم كان متواضعا ـ
في معظمه ـ أيامه قياسا و مقارنة بالتجارب الإقليمية و الدولية و لم يعد مجديا
البتة في أيامنا هذه .
خمسة و خمسون عاما مضت منذ رحيل
المحتل ـ غير مأسوف عليه ـ و لا تزال البلاد في مؤخرة المؤخرة رغم كثرة الموارد و
وفرة أسباب التقدم من ثروات طبيعية و حيوانية و أراض صالحة للزراعة إضافة إلى قلة
تعداد السكان ما يسمح بتوفير فائض معتبر من هذه الثروة يمكِّن من إقامة المنشآت
الحيوية و الصروح التعليمية و الخدمية على بنى تحتية كاملة متكاملة تجعل من المطار
و ما شاكله مشاريع تنموية واعدة و واجهات جمالية على العالم الخارجي تغري أرباب
الذوق و أباطرة المال و ليست محاولة يائسة لامتصاص و جسر الهوة بين المهدور و
المنجز بالقفز غير المتقن من القاع إلى القمة و لا هروبا من الواقع الأليم إلى
سراب الأماني و أحلام اليقظة .
خمسة و خمسون عاما و مازال البلاد
تئن تحت وطأة الهموم تتقاسمها و تتوزعها الاحتياجات الأمنية و المعيشية و التصدعات
الاجتماعية ينضاف إليها ألم الحسرة و الشعور بالعجز عن مواكبة التطورات المتلاحقة
و السرعة التي يسير بها العالم في رحلته الأبدية نحو الرقي و الكمال ،
فلا تجد المسكينة بدا من اللهاث خلف الركب بالة صداها بالدموع رغم وفرة الينابيع و
مماطلة السغب و الجوع بلعق الجراح البليغة النازفة رغم كثرة المآدب و مواطن الرعي
، و راسمة رغم كل ذلك على محياها بسمة تحاول بها سرقة بعض الفرح من براثن الأحزان
و عبوس الواقع و نكده لتبعث به أملا في الحياة من جديد .
من رحم الفوضى و السيبة و التحرر
المطلق من كل قيود النظام و الانضباط و الخضوع لقوانين الجماعة و مصلحتها ولدت
موريتانيا ولادة قيصرية أو بالأحرى قُدَّت الدولة قَدًا من جلاميد مفاهيم عصية على الترويض و التكييف مع متطلبات المدنية و الحداثة و لعل السبب في ذلك
الاستعصاء عائد في جزء كبير منه إلى " الخديجية " و عدم الاكتمال في
المرحلة الجنينية فلربما كنا بحاجة إلى عقد آخر أو عقدين من الاحتلال يتخلله او
يتخللهما المزيد من تحطيم الشخصية و الثقافة البدويتين لصالح بناء الشخصية و
الثقافة المدنيتين مسايرة لمعنى التحول الذي ولجته البلاد حتى تتجذر و تنضج فكرة
الدولة الوطنية على حساب النظم القبلية البدوية المسيطرة على الوجدان و المعتمدة على مغازلة العواطف و المتشبثة بتراتبية العرف و اعتباراته و منازله المزيفة المسيجة .
لقد أثبتت الوقائع التي تلت قيام
الدولة أننا لم نكن جاهزين لتطويرها و المحافظة عليها فقد ظل النفوذ القبلي طاغيا و
مفهوم الدولة مغيبا كأبرز أدلة الخديجية التي أشرت إليها سابقا كما يبدو ذلك جليا
في حالة السقوط و حال التيه التي تردت فيها البلاد عندما أطاح الضباط بالحكومة
المدنية و لم تستطع النخب حتى الآن اعادة القطار إلى الجادة رغم معرفة الجميع
اليقينية أن البلد يسير حثيثا نحو الهاوية ، كما أن الخوف على المكاسب التي كانت
تحقق باسم القبيلة يتنافى مع القناعة بالدولة و دورها .
خمسة و خمسون عاما من الاستهلاك المسرف
لتجارب الآخرين و دون منتج محلي يأخذ في الحسبان خصوصية البلد و تنوعه و دون القراءات النقدية التحليلية الجادة و النتيجة
هوة سحيقة بين الواقع و الممكن تحتم علينا مراجعة حقيقية شاملة لكل ما هو قائم و تحاول الاجابة عن الاسئلة التالية : . يتواصل .......
2 التعليقات:
أهنئك على هذا المقال النازف والذي يتناثر فيه الحزن على هذا الوطن المسكين
هههههه النازف شكرا على المرور
إرسال تعليق