بسم
الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على النبي الكريم و بعد :
![]() |
أحمد أالرجيل |
إلى المعلم الكاتب ابراهيم
ولد اعميرات من أحمد ولد أرجيل اتتبع بإستمرار مقارباتك حول القضايا الوطنية بلغتك
الواضحة الجميلة و التي تشكل جزء مهما مكملا لما تشهده الساحة الوطنية من حراك يهدف
الى بلورة المواقف و بناء التراكم الضروري لتغيير ثقافة التهميش و الإقصاء و الرامي
الى إقامة دولة المواطن التي تحميه و توفر له في حدود الإمكانيات الحد المقبول من العيش
الكريم في ظل المساواة الكاملة في الحقوق و الواجبات حسب الموقع من الخارطة و القدرة
على الإسهام ، دولة الفعل على الأرض ذي الشواهد الحية التي يراها كل من أعطي البصر
و هو شهيد . عوض دولة المافيا و المحسوبيات و التي تقدم الواجب كرما و هبة و الحق
صدقة يتبعها أذى غير مستحق تهبه من تشاء و تمنعه عمن تشاء في تكريس لافت لعمل العصابات
و رجال الغابات .
يأتي
على رأس هذه القضايا مسألة الرق التي للأسف ستضيع حتما بين نهج " الحقوقيين
" و مكر الثقافة العتيقة ، و بين تخاذل الدولة و نشاط المخلفين المتخلفين عن ركب
الحضارة و مسيرة البشرية غير المنتهية إلى الكمال ، هذه المسألة تحتاج مهارة من نوع
خاص تحدد أنجع الطرق للوصول إلى الهدف و لا شك أن التعامل معها يجب أن ينطلق من التراكم
الثقافي و الإجتماعي الذي تحقق خلا العقود الماضية و هو - رغم تواضعه و بعده عن الكمال ـ يظل متكئا و قاعدة صالحة
للبناء و الانطلاق الى ما نرجو ويجب ألا يظل عند نقطة البداية . إن لا مبارحة نقطة
البداية خطوة خطيرة إهتدى إليها المحافظون و هي من أمكر أدوات كبح قطار التجديد و التغيير
و تحمل في حقيقتها تشويها حارفا و جارفا لمسار النضال ، فهو في هذه الحال إما أن يكون
عبثيا بلا رؤية واضحة تستطيع جني الإجابيات و تقول هل من مزيد ؟ أو أن يكون وسيلة إعتياش لا يبتغي القائمون
عليه غير إستمراره و كسب ما يدر من اموال و إمتيازات و من نتائج ذلك كثرة التصدعات
و الإنشقاقات كلما زاد عدد الرؤوس الكبيرة في ظل الجشع و إنعدام وضوح الرؤية وشح الموارد التمويلية .
كنت قد ذكرت في آنفا
في هذه الرسالة ـ الرسائل بالأحرى ـ الموجهة إلى الأخ المعلم إبراهيم أعميرات أن
حاضر النضال ضد الرق و العبودية ينبغي أن ينبني على ما حققه ماضيه من تراكمات
ثقافية و اجتماعية مشاهدة بالعين المجردة ـ رغم تواضعها الشديد و حاجة بعضها إلى
التقويم و حاجة كله إلى التقييم ـ و هذا يتطلب الرجوع قليلا إلى أحد أهم المنطلقات
التي برز منها خلالها خطابه الأل ـ ولعله أهمها على الاطلاق لأنه شكل البداية و
المدخل ـ التي منها يستقي ذلك النضال العادل قوة دفعه و مياه حياته و أسبابها و
مبرراتها . و جدير بالذكر أنني هنا لا أقوم بوظيفة الواعظ و لا الناصح للأخ
ابراهيم فهو ـ مع حداثته سنه ـ مكتهل ثقافة و وعيا و نضجا و لا يعدو الأمر أن يكون
استعراضا معه و مدارسة لمجموعة من الهموم الوطنية و تحديدا منها ما يقع تحت عنوان
(( الرق و مخلفاته )) .
من البديهي أن يعمد أطباء العقول و توعية
" الغُيَّبِ " المغيبين إلى العزف على أكثر الأوتار حساسية لجلب انتباه
صم و جمع مشتتين لم يكن الواحد منهم يعتقد كمال آدميته و لا يعرف صلة موصلة إلى
عصبة أو قَبِيلٍ ، و كان تبعا لذلك هائما في وحدته منهمكا بلا تفكير في إنجاز ما
يوكل إليه من عمل ، هذا الوتر مهما بالغ في الغلو و الحصرية ضروري من أجل إيقاظ
هذه النفوس الشبيهة بالأموات لجمعها و مخاطبتها بما يلامس الوجع الذي تعانيه و
تشترك فيه و من أجل خلق حالة من الاجتماع
و التجمهر حول هم أو غاية يُسْتعاض بها عن رابطة الدم و صلات القربى التي تفتقر
إليها تلك الفئات و هذا ما بدأت به حركة الحر رائدة التوعية و النضال ضد الرق و
العبودية و مخلفاتهما . (( أخي االحرطاني )) كان ذلك إيذانا بتشكل شريحة جديدة
سواء كانت جزء من مجتمع البيظان ـ كما يرى البعض و يبرر ـ أو كانت مستقلة عنه ـ
كما ذهب البعض مؤخرا و برر ـ شكل ذلك المدخل عصى سحرية أيقظت الكثير ممن وصلتهم
فمن كان يملك منهم أمر نفسه ساند الحركة جهارا و من لم يكن يملكه أو قد في نفسه
الكثير من النزوع نحو الأمل الذي لاح و بدأ ينظر إلى نفسه على أنه ليس ما كان
يعتقد و أنه كامل الآدمية و أن له حقوقا يجب أن ينالها رغم اختلافهم على الوسائل و
الأدوات .
كانت لذلك الخطاب
الحصري الفئوي مبرراته و أسبابه و نتائجه إذ لم يكن ثمة منطلق يوازيه جاذبية يمكن
التعويل عليه فالجهل كان متفشيا و الاحساس بالإهمال و التهميش كان عارما طاغيا و
كانت نفوس الحراطين مسرحا لكثير من الانفعلات التي تتشوف كلها لذلك المسيح المخلص
فلم يكن ثمة أفضل لجمعها من صدى ذلك النداء (( أخي الحرطاني )). و بعد هذه العقود
من ذلك التاريخ أصبحت للحرطاني هويته المستقلة على المستوى الفردي فلم يعد يصلي أو
يصم أو يتصدق لينال السيد الأجر و إن ظلت الشريحة ككل تتنازعها هويات و هوايات
أخرى قد لا تكون ماتة الصلة بالحاجة الآنية الملحة للفرد ، كما أنتشر التعليم
المتاح بمختلف مستوياته بينهم و أصبح لديهم من الجاهزية و النضج ما يسمح بمخاطبتهم
من منطلق آخر يعتمد على المطالبة بالعدالة و الحرية و العيش الكريم في ظل حكم
مختار رشيد باسم المواطن هذه المرة و في الفضاء العام لمشاكل البلد التي تتصدرها
مشكلة الرق و مخلفاته . هذا التطور في النضال يستهدف توسيع القاعدة الداعمة و
تنوعها الأمر الذي يسرع من وتيرة الاندماج الاجتماعي و التغيير القافي . مؤكد أن
البعض سيميل ـ حتما ـ إلى تسطيح هذه الفكرة لكن جرت العادة أن الجديد عندما يعجز
القديم عن اجتثاثه في طور النشأة لا محالة بالغ مداه و حصول ذلك مناط بعوامل الوقت
و جدية الجديد و وفائه و اخلاصه لمبادئه و واقعية أهدافه و قدرته على اقناع من
يستشرف الأفول من ذلك القديم ، أنظر كم هو غض و ضعيف جنين حبة الذرة عندما يرتوي بالماء
و فوقه ترقد صخرة صلبة فبمجرد أن يميل قليلا و يفادى الصدام المباشر معها عند ذات
النقطة فإنه يخرج إلى فضاء الله الرحب حيث الشمس و الهواء و يظل ينمو وينمو حتى
يؤتي أكله . الاصلاح الثقافي و الاجتماعي هو جنين حبة الذرة يرويه الشعور بالحاجة
و السعي الدؤوب إلى التغيير ، أما الصخرة فهي الثقافة البالية التي تنتظم في سياق
معين و تحمي نفسها برش مبيدات تستهدف أي نسق يحاول الخروج على نواميس و قوانين ذلك
السياق . (( رحمة الله و غفرانه للدكتور الأديب محمد ولد عبدي )) مؤلف السياق و
الانساق في الثقافة الموريتانية ( الشعر نموذجا ) تذكرته و أنا أسرق تلك العبارات ))
0 التعليقات:
إرسال تعليق