السبت، 13 أغسطس 2016

رسالتي إلى المعلم ابراهيم اعميرات عميرات .


بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على النبي الكريم و بعد : 
أحمد أالرجيل
إلى المعلم الكاتب ابراهيم ولد اعميرات من أحمد ولد أرجيل اتتبع بإستمرار مقارباتك حول القضايا الوطنية بلغتك الواضحة الجميلة و التي تشكل جزء مهما مكملا لما تشهده الساحة الوطنية من حراك يهدف الى بلورة المواقف و بناء التراكم الضروري لتغيير ثقافة التهميش و الإقصاء و الرامي الى إقامة دولة المواطن التي تحميه و توفر له في حدود الإمكانيات الحد المقبول من العيش الكريم في ظل المساواة الكاملة في الحقوق و الواجبات حسب الموقع من الخارطة و القدرة على الإسهام ، دولة الفعل على الأرض ذي الشواهد الحية التي يراها كل من أعطي البصر و هو شهيد . عوض دولة المافيا و المحسوبيات و التي تقدم الواجب كرما و هبة و الحق صدقة يتبعها أذى غير مستحق تهبه من تشاء و تمنعه عمن تشاء في تكريس لافت لعمل العصابات و رجال الغابات .
يأتي على رأس هذه القضايا مسألة الرق التي للأسف ستضيع حتما بين نهج " الحقوقيين " و مكر الثقافة العتيقة ، و بين تخاذل الدولة و نشاط المخلفين المتخلفين عن ركب الحضارة و مسيرة البشرية غير المنتهية إلى الكمال ، هذه المسألة تحتاج مهارة من نوع خاص تحدد أنجع الطرق للوصول إلى الهدف و لا شك أن التعامل معها يجب أن ينطلق من التراكم الثقافي و الإجتماعي الذي تحقق خلا العقود الماضية و هو - رغم  تواضعه و بعده عن الكمال ـ يظل متكئا و قاعدة صالحة للبناء و الانطلاق الى ما نرجو ويجب ألا يظل عند نقطة البداية . إن لا مبارحة نقطة البداية خطوة خطيرة إهتدى إليها المحافظون و هي من أمكر أدوات كبح قطار التجديد و التغيير و تحمل في حقيقتها تشويها حارفا و جارفا لمسار النضال ، فهو في هذه الحال إما أن يكون عبثيا بلا رؤية واضحة تستطيع جني الإجابيات و تقول هل  من مزيد ؟ أو أن يكون وسيلة إعتياش لا يبتغي القائمون عليه غير إستمراره و كسب ما يدر من اموال و إمتيازات و من نتائج ذلك كثرة التصدعات و الإنشقاقات كلما زاد عدد الرؤوس الكبيرة في ظل الجشع و إنعدام وضوح الرؤية وشح  الموارد التمويلية .
كنت قد ذكرت في آنفا في هذه الرسالة ـ الرسائل بالأحرى ـ الموجهة إلى الأخ المعلم إبراهيم أعميرات أن حاضر النضال ضد الرق و العبودية ينبغي أن ينبني على ما حققه ماضيه من تراكمات ثقافية و اجتماعية مشاهدة بالعين المجردة ـ رغم تواضعها الشديد و حاجة بعضها إلى التقويم و حاجة كله إلى التقييم ـ و هذا يتطلب الرجوع قليلا إلى أحد أهم المنطلقات التي برز منها خلالها خطابه الأل ـ ولعله أهمها على الاطلاق لأنه شكل البداية و المدخل ـ التي منها يستقي ذلك النضال العادل قوة دفعه و مياه حياته و أسبابها و مبرراتها . و جدير بالذكر أنني هنا لا أقوم بوظيفة الواعظ و لا الناصح للأخ ابراهيم فهو ـ مع حداثته سنه ـ مكتهل ثقافة و وعيا و نضجا و لا يعدو الأمر أن يكون استعراضا معه و مدارسة لمجموعة من الهموم الوطنية و تحديدا منها ما يقع تحت عنوان (( الرق و مخلفاته )) .
   من البديهي أن يعمد أطباء العقول و توعية " الغُيَّبِ " المغيبين إلى العزف على أكثر الأوتار حساسية لجلب انتباه صم و جمع مشتتين لم يكن الواحد منهم يعتقد كمال آدميته و لا يعرف صلة موصلة إلى عصبة أو قَبِيلٍ ، و كان تبعا لذلك هائما في وحدته منهمكا بلا تفكير في إنجاز ما يوكل إليه من عمل ، هذا الوتر مهما بالغ في الغلو و الحصرية ضروري من أجل إيقاظ هذه النفوس الشبيهة بالأموات لجمعها و مخاطبتها بما يلامس الوجع الذي تعانيه و تشترك فيه و من أجل خلق حالة من  الاجتماع و التجمهر حول هم أو غاية يُسْتعاض بها عن رابطة الدم و صلات القربى التي تفتقر إليها تلك الفئات و هذا ما بدأت به حركة الحر رائدة التوعية و النضال ضد الرق و العبودية و مخلفاتهما . (( أخي االحرطاني )) كان ذلك إيذانا بتشكل شريحة جديدة سواء كانت جزء من مجتمع البيظان ـ كما يرى البعض و يبرر ـ أو كانت مستقلة عنه ـ كما ذهب البعض مؤخرا و برر ـ شكل ذلك المدخل عصى سحرية أيقظت الكثير ممن وصلتهم فمن كان يملك منهم أمر نفسه ساند الحركة جهارا و من لم يكن يملكه أو قد في نفسه الكثير من النزوع نحو الأمل الذي لاح و بدأ ينظر إلى نفسه على أنه ليس ما كان يعتقد و أنه كامل الآدمية و أن له حقوقا يجب أن ينالها رغم اختلافهم على الوسائل و الأدوات .
كانت لذلك الخطاب الحصري الفئوي مبرراته و أسبابه و نتائجه إذ لم يكن ثمة منطلق يوازيه جاذبية يمكن التعويل عليه فالجهل كان متفشيا و الاحساس بالإهمال و التهميش كان عارما طاغيا و كانت نفوس الحراطين مسرحا لكثير من الانفعلات التي تتشوف كلها لذلك المسيح المخلص فلم يكن ثمة أفضل لجمعها من صدى ذلك النداء (( أخي الحرطاني )). و بعد هذه العقود من ذلك التاريخ أصبحت للحرطاني هويته المستقلة على المستوى الفردي فلم يعد يصلي أو يصم أو يتصدق لينال السيد الأجر و إن ظلت الشريحة ككل تتنازعها هويات و هوايات أخرى قد لا تكون ماتة الصلة بالحاجة الآنية الملحة للفرد ، كما أنتشر التعليم المتاح بمختلف مستوياته بينهم و أصبح لديهم من الجاهزية و النضج ما يسمح بمخاطبتهم من منطلق آخر يعتمد على المطالبة بالعدالة و الحرية و العيش الكريم في ظل حكم مختار رشيد باسم المواطن هذه المرة و في الفضاء العام لمشاكل البلد التي تتصدرها مشكلة الرق و مخلفاته . هذا التطور في النضال يستهدف توسيع القاعدة الداعمة و تنوعها الأمر الذي يسرع من وتيرة الاندماج الاجتماعي و التغيير القافي . مؤكد أن البعض سيميل ـ حتما ـ إلى تسطيح هذه الفكرة لكن جرت العادة أن الجديد عندما يعجز القديم عن اجتثاثه في طور النشأة لا محالة بالغ مداه و حصول ذلك مناط بعوامل الوقت و جدية الجديد و وفائه و اخلاصه لمبادئه و واقعية أهدافه و قدرته على اقناع من يستشرف الأفول من ذلك القديم ، أنظر كم هو غض و ضعيف جنين حبة الذرة عندما يرتوي بالماء و فوقه ترقد صخرة صلبة فبمجرد أن يميل قليلا و يفادى الصدام المباشر معها عند ذات النقطة فإنه يخرج إلى فضاء الله الرحب حيث الشمس و الهواء و يظل ينمو وينمو حتى يؤتي أكله . الاصلاح الثقافي و الاجتماعي هو جنين حبة الذرة يرويه الشعور بالحاجة و السعي الدؤوب إلى التغيير ، أما الصخرة فهي الثقافة البالية التي تنتظم في سياق معين و تحمي نفسها برش مبيدات تستهدف أي نسق يحاول الخروج على نواميس و قوانين ذلك السياق . (( رحمة الله و غفرانه للدكتور الأديب محمد ولد عبدي )) مؤلف السياق و الانساق في الثقافة الموريتانية ( الشعر نموذجا ) تذكرته و أنا أسرق تلك العبارات ))


0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More