![]() |
أحمد أرجيل |
هيبة الدولة مفردة كثرة إستعمالها و تميع معناها حتى أصبحت سوط تأديب يقمع به المستبدون كل صوت متمرد رافض ينادي بالحرية و العدالة و الحقوق أو أي قيمة انسانية نبيلة مهدرة تكفلها الشرائع السماوية و القوانين الدولية في عالم تغولت فيه المادة و سطى الظلم على مجريات الحياة و طغى النزوع إلى المصالح الشخصية على حساب الأخلاق و الفضيلة و المصلحة العامة .
و رغم أن هذا السلوك يكاد يكون نقطة التقاء أو سمة مشتركة بين كافة الأنظمة السياسية فإنها تختلف فيه بإختلافها في النضج و إحترام الإنسان و وسائل توظيف الهيبة ذاتها .
بيد أن " هيبة الدولة " تبقى - رغم ذلك - إحدى أهم مرتكزات الدول التي عليها تقوم و تتأسس و تؤدي مهامها و واجباتها و تستوفي حقوقها و تسير وتيرة الحياة بانتظام ما يبرر الخشونة و يسوغها في بعض الحالات التي تستنفد فيها كافة الخيات الأخرى . من هنا وجب تعريفها تعريفا صحيحا برفع اللبس الذي قد يغشى بصيرة بعض الناس و يؤثر على إدراكه للفرق بينها و بين الخوف الظرفي من بطش الأنظمة الاستبدادية و الانحناء لظلمها و جبروتها في وقت من الأوقات تحكمه ظروف معينة لن تمتد إلى الأبد مهما طالت .
هيبة الدولة هي ذلك الشعور الذي يغمر وجدان المواطن بالاجلال و الاحترام و الثقة في ما تتخذه من قرارات تفرض عليه طواعية الالتزام بها و الوقوف عندها بإعتبارها ضرورات تصب في مصلحته و تتغيى التوسيع عليه و تسهيل حياته فيتجاوز أشكالها الى المضامين و آلياتها إلى الغايات منها . يقترن ذلك الشعور - حتما - بالفخر و الاعتزاز بالانتماء و لا تسأل بعد ذلك عن التفاني و إسترخاص النفس و المال في سبيلها و التقيد الشديد بأنظمتها و الاستعداد للبذل و التضحية كلما أنت أو قالت هل من مزيد . أما الخوف من بطش الأنظمة فقد يفرض شكلا من أشكال الاستقرار و الهدوء و إنتظام الحياة إلا أنه يظل - في ذات الوقت - جرابا حقيقيا يحمل بذور تدميره و معاول هدمه و الإطاحة به تنمو و تتكاثر تحت السطح لا تتهذب بالتنسيق او التلاقح مع المحيط الذي يعي ضرورة التغيير المحسوب بحكم السرية التي يفرضها الخوف و الانضباط المزيف .