السبت، 12 ديسمبر 2015

نفمبر دروس و عبر 1/2

أحمد أرجيل

نستقبل كل سنة الثامن و العشرين من نفمبر بذات المشاعر من الآلام و الآمال التي استقبلناه و ودعناه بها السنة الماضية و كأن مراكب المسايرة الطبيعية للزمن و حركة التاريخ قد تعطلت بنا في ذات المكان من الزمان فتوقفت الحركة و ساد الجمود حتى أكمل العام دورته و جاء نفمبر مرة أخرى يتمايل متبخترا يتهادى على أشلاء الآمال الخائبة الميتة كمدا و المنتحرة يأسا و قنوطا ليجدنا كما نحن لا تغيُّر و لا تجدُّد لا في الشكل و لا في الجوهر اللهم إلا فنونا جديدة قديمة مستحكمة في النفوس من الاتكاء و الاتكال على قديم كان متواضعا ـ في معظمه ـ أيامه قياسا و مقارنة بالتجارب الإقليمية و الدولية و لم يعد مجديا البتة في أيامنا هذه .
خمسة و خمسون عاما مضت منذ رحيل المحتل ـ غير مأسوف عليه ـ و لا تزال البلاد في مؤخرة المؤخرة رغم كثرة الموارد و وفرة أسباب التقدم من ثروات طبيعية و حيوانية و أراض صالحة للزراعة إضافة إلى قلة تعداد السكان ما يسمح بتوفير فائض معتبر من هذه الثروة يمكِّن من إقامة المنشآت الحيوية و الصروح التعليمية و الخدمية على بنى تحتية كاملة متكاملة تجعل من المطار و ما شاكله مشاريع تنموية واعدة و واجهات جمالية على العالم الخارجي تغري أرباب الذوق و أباطرة المال و ليست محاولة يائسة لامتصاص و جسر الهوة بين المهدور و المنجز بالقفز غير المتقن من القاع إلى القمة و لا هروبا من الواقع الأليم إلى سراب الأماني و أحلام اليقظة .
خمسة و خمسون عاما و مازال البلاد تئن تحت وطأة الهموم تتقاسمها و تتوزعها الاحتياجات الأمنية و المعيشية و التصدعات الاجتماعية ينضاف إليها ألم الحسرة و الشعور بالعجز عن مواكبة التطورات المتلاحقة و السرعة التي يسير بها العالم في رحلته الأبدية نحو الرقي و الكمال ، فلا تجد المسكينة بدا من اللهاث خلف الركب بالة صداها بالدموع رغم وفرة الينابيع و مماطلة السغب و الجوع بلعق الجراح البليغة النازفة رغم كثرة المآدب و مواطن الرعي ، و راسمة رغم كل ذلك على محياها بسمة تحاول بها سرقة بعض الفرح من براثن الأحزان و عبوس الواقع و نكده لتبعث به أملا في الحياة من جديد .
من رحم الفوضى و السيبة و التحرر المطلق من كل قيود النظام و الانضباط و الخضوع لقوانين الجماعة و مصلحتها ولدت موريتانيا ولادة قيصرية أو بالأحرى قُدَّت الدولة قَدًا من جلاميد مفاهيم عصية على الترويض و التكييف مع متطلبات المدنية و الحداثة و لعل السبب في ذلك الاستعصاء عائد في جزء كبير منه إلى " الخديجية " و عدم الاكتمال في المرحلة الجنينية فلربما كنا بحاجة إلى عقد آخر أو عقدين من الاحتلال يتخلله او يتخللهما المزيد من تحطيم الشخصية و الثقافة البدويتين لصالح بناء الشخصية و الثقافة المدنيتين مسايرة لمعنى التحول الذي ولجته البلاد حتى تتجذر و تنضج فكرة الدولة الوطنية على حساب النظم القبلية البدوية المسيطرة على الوجدان و المعتمدة على مغازلة العواطف و المتشبثة بتراتبية العرف و  اعتباراته و منازله المزيفة المسيجة .                                                           
لقد أثبتت الوقائع التي تلت قيام الدولة أننا لم نكن جاهزين لتطويرها و المحافظة عليها فقد ظل النفوذ القبلي طاغيا و مفهوم الدولة مغيبا كأبرز أدلة الخديجية التي أشرت إليها سابقا كما يبدو ذلك جليا في حالة السقوط و حال التيه التي تردت فيها البلاد عندما أطاح الضباط بالحكومة المدنية و لم تستطع النخب حتى الآن اعادة القطار إلى الجادة رغم معرفة الجميع اليقينية أن البلد يسير حثيثا نحو الهاوية ، كما أن الخوف على المكاسب التي كانت تحقق باسم القبيلة يتنافى مع القناعة بالدولة و دورها .

خمسة و خمسون عاما من الاستهلاك المسرف لتجارب الآخرين و دون منتج محلي يأخذ في الحسبان خصوصية البلد و تنوعه و دون القراءات النقدية التحليلية الجادة و النتيجة هوة سحيقة بين الواقع و الممكن تحتم علينا مراجعة حقيقية شاملة لكل ما هو قائم و تحاول الاجابة عن الاسئلة التالية : .                                                                             يتواصل .......     

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More