![]() |
أحمد أرجيل |
ترفع " عاصفة
الحزم " سقف الآمال للشعوب العربية بما كشفت من إصرار على الدخول بقوة إلى مواطن التأثير وحماية المصالح و المجالات
الحيوية و ما بشرت به من ميلاد لاعب جديد في منطقة الشرق الأوسط حيث مقومات القوة و النفوذ و دعائمهما من الأموال و التحكم في
جغرافية المصالح الدولية حيث تحتضن نسبة معتبرة من احتياطيات الطاقة في العالم و
تمر منها خطوط إمداد حيوية إليه ما يمنحها ميزتي "الْمَصْدَرِ و
الْمَمِرِّ" و ما يوفران من مردود مادي وموقع إستراتيجي . ضف
إلى ذلك موقع الصدارة التي تحتلها و المرجعية التي تمثلها لمليار و نصف المليار
مسلم . فبعد عقود من الزمن كان دور الدول العربية في ما يخص قضاياها الكبرى يقتصر
على التمويل بسخاء و التفرج باستسلام على الآخرين و هم يفصلون لها حسب أذواقهم و
وفقا لأمزجتهم ها هي تكسر تلك القاعدة و تمسك زمام المبادرة في قضية بالغة الأهمية
الخطورة تضعها على تماس ـ يصل حد الاحتكاك المباشر ـ مع قوى إقليمية و دولية ذات
حضور عسكري و سياسي هام . وتتطلع
الشعوب العربية إلى تغير حقيقي في المواقف تجاه بقية قضايا الأمة و إلى تشكيل قوة
رادعة دائمة على غرار ما يحدث في اليمن تضطلع بدور الحامي لحماها المستباح منذ
سنين ، و إلى تفعيل القوة الناعمة في القضايا التي لا تستطيع فيها التدخل العسكري
المباشر بأن تستثمر قدراتها الاقتصادية و دبلوماسيتها ـ التي يبدو أنها لم تعد
عديمة الفائدة كما كانت ـ للدفع بمآلات الأمور و نتائجها إلى ما يخدم هذه القضايا
و على رأسها القضية الفلسطينية كما تتطلع إلى تكامل اقتصادي بين دولها يغري
الأطراف بالالتفات حول المركز ما يمنحه المزيد من الوزن و الثقل في المحافل
الدولية و يفيد هذه الإطراف من تجربة المركز و موارده و يخفف القيود على التنقل
بينها بإلقاء التأشيرات ـ أو تسهيلها ـ على غرار الاتحاد الاروبي . و
يمكن توظيف جملة من المعطيات في إنجاح توجه من ذلك القبيل إذا توفرت النية الصادقة
و الإرادة الجادة لذلك و من هذه الأمور : 1
ـ التراجع و التآكل المطرد لمحور المقاومة المسلحة ( جناح إيران ) في والجدان
العربي بفعل الدور في سوريا و ما جلبه من كوارث و مآسي دفعت معظم الذين يتعاطفون
معه إلى منطقة التيه في توصيفهم لحقيقته و ما هيته فمن جهة يجد المرؤ نفسه مجبرا
على إكبار و تثمين دور إيران في المواجهات بين حزب الله ( كونه مقاومة عربية كانت
لها مكانة مميزة في الشارع العربي قبل قارعة سوريا الداهية ) و بين إسرائيل و كذلك
الدعم العسكري البارز لحركات المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة ، إلا أنه بذات
القدر من الاندفاع إلى التثمين يجد نفسه ـ أيضا ـ مرتعا للريبة و الشك و التوجس و
هو يرى هذا الكم الهائل من القتل و التهجير و التدمير في سوريا و على الهوية و
الطائفة والمذهب . 2
ـ الغيمة التي تلبد سماء العلاقات بين العدو الإسرائيلي وأمريكا و ما نجم عن عجرفة
نتانياهو في التعامل مع الرئيس الأميركي من فتور في هذه العلاقة و ما أنتجت من
إمتعاض لدى الكثيرين حتى من بعض داعميه في الولايات المتحدة صحيح أنها مجرد غيمة لكنها مؤشر على تراجع مجهري تدريجي
في ترمومتر هيمنة إسرائيل على دوائر النفوذ هناك و تعطي الدليل الحي على أن مدها
بدأ في الانحسار و ما على الدبلوماسية العربية إلا أن تقدم نفسها ككيان موحد قابل
للشراكة و الشراكة فقط بما يضمن تحقيق المصالح المتبادلة و لملئ تلك الفراغات التي
أحدثها العدو بطيشه و صلفه . 3 ـ قد
يكون لتدهور أسعار البترول أثر بالغ على مساحة النفوذ الإقليمية لإيران بالحد من
قدرتها على الإنفاق في كل اتجاه و هذا يسمح للمشروع الناشئ ـ إذا كان مشروعا ـ أن
يتمدد في مجالات انحسارها خصوصا أن الأعباء المالية ستواجهها بشكل جماعي و
بقدراتها المادية التي رغم تراجع أسعار النفط تظل ـ بفضل الله و منه ـ قادرة على
تغذية أحلامها و مشاريعها . إلا أن
قابلية هذا اللاعب للحياة و بروزه على مسرح الأحداث إلى أمد بعيد يستلزم جملة من
الشروط تجعله قطبا مميزا أو محورا جاذبا لكل مكونات المنطقة العربية بعيدا عن
التجييش الطائفي و المذهبي و هو ما يستوجب البدء في ترميم التصدعات و جسر الهوة
بين مكونات الأمة و الضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بالأمن تحت ستار الانتصار
للطائفة أو المذهب و تجريم المساس بالخصوصيات العقدية لأي إنسان و تهيئة بيئة
قابلة للتعايش مع الاختلاف دون الاحتكام إلى ما صنع الحداد فبعد 1400 سنة من
المناظرات و الحوارات و الاقتتال دون جدوى لم يعد هناك بد من القبول المتبادل
يبعضنا جملة دون تفصيل أو تفاصيل ، بمعنى أنه آن الأوان لهيمنة السياسة الإسلامية
و مصالح و حاجات المسلمين على المذهبية و الطائفية و أنه آن الأوان لمحاسبة النفس و أخذها بالحزم و لجمها
بخطام المصلحة العامة التي تحسب بمقارنة الجهد و المردود .