![]() |
أحمد الرجيل |
لقد فرض تداخل المصالح الدولية وتشعب العلاقات المفضية إليها نمطا جديدا من
التقليم والتشذيب للقوانين القطرية بحيث تتلاءم مع مصالح المجموعة
الدولية الأمر الذي حجّم دور الثقافة المحلية في صياغتها، ومنع تفرد القيم
الخاصة بها. وسعت شعوب الأرض قاطبة إلى الانخراط في هذا النظام حرصا على
المصالح الذاتية التي لا تتحقق إلا بالتعاطي الإيجابي مع ما يراه العالم
ضرورة حتمية. ولتأكيد ذلك سنت الدولة القطرية تشريعات ـ مقنعة لشركائها
بالسير في ذلك الدرب ـ في كافة مجالات الحياة، وميادين العمل، والعلاقات
الاجتماعية البينية. ولتأكيد الجدية سنت مسطرة جزائية لفرض النظام والقيم
الجديدة، وسهرت على تطبيقها لتسير الحياة وفق القانون الذي هو الضامن
الوحيد للحقوق والمحدد للواجبات. وبقدر ما تحترم الدولة قوانينها،
والتزاماتها، تكون أكثر قابلية للحصول على احترام المجتمع الدولي و دعم
هيئاته لمشاريعها التنموية التي عليها تقوم حياتها وتتحقق بها مصالحها. ليس
معنى ذلك أن الدول النافذة حريصة على تعميم العدالة، و ممارسة الأخلاق
والفضائل في تعاطيها مع المشاكل المطروحة، و إنما يتم ذلك في إطار ما يحقق
مصالحها ويرسخ أقدامها، وهذا ما يفسر إبقاء بعض الملفات الخطيرة في حياة
الشعوب عالقة وبلا حل لتبقى مرنة في التعاطي مع مواطن نفوذها في السياسة
الدولية، خوفا من سيف الملف الفلاني الذي يشهر عند كل منعطف بلا خفر أو
حياء.
و ملف الرق ومخلفاته هو أحد هذه الملفات الشائكة والخطيرة في بلدنا بل هو أخطرها على الإطلاق، ذلك أن بقية الملفات العالقة ـ رغم فداحة بعضها ـ يتعلق بحق من حقوق الإنسان، أما ملف العبودية فإنه يتعلق بالإنسان نفسه، فهي تجتثه من الجذور وتلقيه في دائرة العدم و اللاوجود، فلم تمنع الثقافة المحلية شريحة من حق التملك مثلا،أو الولاية على الأولاد والزوجة غير شريحة العبيد. وهو ملف قابل لأن يكون كرة ثلج تكبر كلما انتقلت، وهو إلى ذلك قابل للتضخيم من أجل إعداده كـ ( أتاش علبة ) في مرحلة لاحقة يستخدم لجلبنا إلى بيت الطاعة الذي لم نغادره أصلا. والمقلق للمتابع لهذا الملف أن المتعاطين معه ـ إلا من رحم ربك ـ لا يقاربونه من منطلق عقلي معتدل يؤمن بضرورة الحل الجذري على قاعدة (( لا ضرر ولا ضرار)) بل هم بين متطرف في الطرح وناكر للمشكلة ومتطرف آخر في الاتجاه الآخر يتكئ على النصوص الشرعية وسنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول. أين العقلاء ؟ هل تحل هذه المشكلة بهذه الأفكار، أو بهؤلاء الناس ؟ أبدا لا. فالمتطرف الأول يتحدث عن حق ويطالب به لكنه يتبنى وسائل صداميه أو غير مستساغة ـ في الحد الأدنى ـ للتعبير عنه، وتبدو كأنها تقول: ((أنا ومن بعدي الطوفان )) وهذا الأسلوب لا يمكن أن يأتي بنتيجة لسبب بسيط هو أن الطرف الآخر لن يستمع إليه والإنسان ـ عادة ـ يستمع أولا ثم تأتي الاستجابة في مرحلة لاحقة. وهو كذلك لا يساهم في دفع من يرى عدالة مطالبك إلا إلى التريث في دعمك، ويسبب الحرج الشديد للداعمين لك ممن تجاوزوا الحدود العاطفية الضيقة، إلى فضاء العقل والمصلحة الوطنية الواسع. وهو يعطي المتطرف الآخر سببا إضافيا للمزيد من التطرف والتجييش. أما الناكر فهو كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمل عندما يحدق بها الخطر، على أساس أن ذلك يقطع الطريق على التدخلات الخارجية، ريثما نتمكن من حله داخليا وبوسائلنا الخاصة، وهذا يعني ترحيل الملف إلى مرحلة قادمة مع ما يتضمنه ذلك من تراكمات قد تزيد طينه بلة، وهذا تسويف غير مجدي، فالملف سبق ترحيله أواخر السبعينات يوم ظهرت حركة الحر التي كانت مَسَبَّةً وكان أعضاءها يرمون بالعنصرية، والأبق، والكفر أحيانا، وهي التي أصبح زعيمها مسعود ولد بولخير رمزا وطنيا بعد أن سمع الناس خطاب حركة (إيرا) الأكثر حدة وراديكالية، فهل سيظل هذا الملف مرتحلا إلى الأبد ؟ أما المتطرف الآخر فإنه يلغي كل إمكانية لاستمرار السلم الأهلي، أو إقامة دولة القانون التي تغري أبناءها بالخروج من خنادق الفئوية والانكفاء على الذات، إلى آفاق الأمل والانفتاح. فلم يعد من الممكن أن تقنعني بدونيتي، وجزئية آدميتي، وقصور ولايتي عن من جعله الله في كنفي ( زوجتي، أبنائي، مالي ) ثم ترجو أن أتقبلك راضيا..! أشك في مقدرتي على ذلك.
لا يعني هذا الكلام بالضرورة أن العبودية منتشرة بشكل واسع كممارسة على أرض الواقع، ولكن توجد حالات حقيقية تم العثور عليها ولم توضع في إطارها الصحيح، حيث كان يجب أن تظل في أروقة المحاكم، ويقدم المدعي ما لديه من أدلة إدانة، ويقدم المدعى عليه ما عنده من دفوع براءة، وتبقى الكلمة الفصل للقضاء، التي يجب على الجميع قبولها، والوقوف عندها دونما تبرم أو اعتراض. أما اعتبار كل حالة بمثابة إعلان حرب على المجتمع، ولحمته، وضربه في صميم وحدته، فإنه أمر لا يخدم هذه الوحدة، ولا يقوي روابط التآخي بين المواطنين، ويشي بنوع من التواطؤ من قبل الجميع وهو أمر يجافي الحقيقة والصواب إذ يوجد في موريتانيا من لم يمتلك عبدا أصلا، ويوجد من قام بعتق من تحت يده من العبيد قديما وخلق علاقة أخرى من نوع آخر معهم حققت من الامتيازات للطرفين ما لم تحققه علاقة السيد بالعبد، ولم يكن مردودها على السيد بأقل منه على العبد. لقد سعت الدولة إلى إنشاء قانون يجرم الاستعباد، ويجعل مرتكبه تحت طائلته، وهو أمر جاء نتيجة لجملة من الاعتبارات الداخلية والخارجية لا يقل أي منها عن الآخر خطورة أو أهمية على مصالح الوطن وعلى أمنه واستقراره، وهذه الاعتبارات مازالت قائمة وبشكل أكثر بروزا واستعدادا للتحرك في ظل الارتباك والفوضى التي تشهدها المنطقة، وخلط الأوراق فيها تمهيدا لإعادة صياغتها وفق رؤية جديدة قد لا تكون بالضرورة معبرة عن مصالح أهلها ومطامحهم مما يستوجب سرعة سد الثغور، وتحصين البلاد. ومن علامات التضخيم لهذا الملف أو تضخمه الطبيعي ـ بسبب التباطؤ في حله ـ ما شاهدناه مؤخرا من القول بالبحث عن هوية مستقلة تستقطب الحراطين وتجمعهم، أي زيادة التشرذم والتشظي في القاعدة الاجتماعية للدولة، وهو أمر مستهجن من السواد الأعظم من المجتمع ـ حتى الآن ـ ولكن ربما يصبح مطلبا للكثيرين بل مبدءا ثابتا، ما لم يلتفت ـ و بشكل حقيقي ـ إلى هذا الملف ويعمل على إغلاقه نهائيا.
و ملف الرق ومخلفاته هو أحد هذه الملفات الشائكة والخطيرة في بلدنا بل هو أخطرها على الإطلاق، ذلك أن بقية الملفات العالقة ـ رغم فداحة بعضها ـ يتعلق بحق من حقوق الإنسان، أما ملف العبودية فإنه يتعلق بالإنسان نفسه، فهي تجتثه من الجذور وتلقيه في دائرة العدم و اللاوجود، فلم تمنع الثقافة المحلية شريحة من حق التملك مثلا،أو الولاية على الأولاد والزوجة غير شريحة العبيد. وهو ملف قابل لأن يكون كرة ثلج تكبر كلما انتقلت، وهو إلى ذلك قابل للتضخيم من أجل إعداده كـ ( أتاش علبة ) في مرحلة لاحقة يستخدم لجلبنا إلى بيت الطاعة الذي لم نغادره أصلا. والمقلق للمتابع لهذا الملف أن المتعاطين معه ـ إلا من رحم ربك ـ لا يقاربونه من منطلق عقلي معتدل يؤمن بضرورة الحل الجذري على قاعدة (( لا ضرر ولا ضرار)) بل هم بين متطرف في الطرح وناكر للمشكلة ومتطرف آخر في الاتجاه الآخر يتكئ على النصوص الشرعية وسنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول. أين العقلاء ؟ هل تحل هذه المشكلة بهذه الأفكار، أو بهؤلاء الناس ؟ أبدا لا. فالمتطرف الأول يتحدث عن حق ويطالب به لكنه يتبنى وسائل صداميه أو غير مستساغة ـ في الحد الأدنى ـ للتعبير عنه، وتبدو كأنها تقول: ((أنا ومن بعدي الطوفان )) وهذا الأسلوب لا يمكن أن يأتي بنتيجة لسبب بسيط هو أن الطرف الآخر لن يستمع إليه والإنسان ـ عادة ـ يستمع أولا ثم تأتي الاستجابة في مرحلة لاحقة. وهو كذلك لا يساهم في دفع من يرى عدالة مطالبك إلا إلى التريث في دعمك، ويسبب الحرج الشديد للداعمين لك ممن تجاوزوا الحدود العاطفية الضيقة، إلى فضاء العقل والمصلحة الوطنية الواسع. وهو يعطي المتطرف الآخر سببا إضافيا للمزيد من التطرف والتجييش. أما الناكر فهو كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمل عندما يحدق بها الخطر، على أساس أن ذلك يقطع الطريق على التدخلات الخارجية، ريثما نتمكن من حله داخليا وبوسائلنا الخاصة، وهذا يعني ترحيل الملف إلى مرحلة قادمة مع ما يتضمنه ذلك من تراكمات قد تزيد طينه بلة، وهذا تسويف غير مجدي، فالملف سبق ترحيله أواخر السبعينات يوم ظهرت حركة الحر التي كانت مَسَبَّةً وكان أعضاءها يرمون بالعنصرية، والأبق، والكفر أحيانا، وهي التي أصبح زعيمها مسعود ولد بولخير رمزا وطنيا بعد أن سمع الناس خطاب حركة (إيرا) الأكثر حدة وراديكالية، فهل سيظل هذا الملف مرتحلا إلى الأبد ؟ أما المتطرف الآخر فإنه يلغي كل إمكانية لاستمرار السلم الأهلي، أو إقامة دولة القانون التي تغري أبناءها بالخروج من خنادق الفئوية والانكفاء على الذات، إلى آفاق الأمل والانفتاح. فلم يعد من الممكن أن تقنعني بدونيتي، وجزئية آدميتي، وقصور ولايتي عن من جعله الله في كنفي ( زوجتي، أبنائي، مالي ) ثم ترجو أن أتقبلك راضيا..! أشك في مقدرتي على ذلك.
لا يعني هذا الكلام بالضرورة أن العبودية منتشرة بشكل واسع كممارسة على أرض الواقع، ولكن توجد حالات حقيقية تم العثور عليها ولم توضع في إطارها الصحيح، حيث كان يجب أن تظل في أروقة المحاكم، ويقدم المدعي ما لديه من أدلة إدانة، ويقدم المدعى عليه ما عنده من دفوع براءة، وتبقى الكلمة الفصل للقضاء، التي يجب على الجميع قبولها، والوقوف عندها دونما تبرم أو اعتراض. أما اعتبار كل حالة بمثابة إعلان حرب على المجتمع، ولحمته، وضربه في صميم وحدته، فإنه أمر لا يخدم هذه الوحدة، ولا يقوي روابط التآخي بين المواطنين، ويشي بنوع من التواطؤ من قبل الجميع وهو أمر يجافي الحقيقة والصواب إذ يوجد في موريتانيا من لم يمتلك عبدا أصلا، ويوجد من قام بعتق من تحت يده من العبيد قديما وخلق علاقة أخرى من نوع آخر معهم حققت من الامتيازات للطرفين ما لم تحققه علاقة السيد بالعبد، ولم يكن مردودها على السيد بأقل منه على العبد. لقد سعت الدولة إلى إنشاء قانون يجرم الاستعباد، ويجعل مرتكبه تحت طائلته، وهو أمر جاء نتيجة لجملة من الاعتبارات الداخلية والخارجية لا يقل أي منها عن الآخر خطورة أو أهمية على مصالح الوطن وعلى أمنه واستقراره، وهذه الاعتبارات مازالت قائمة وبشكل أكثر بروزا واستعدادا للتحرك في ظل الارتباك والفوضى التي تشهدها المنطقة، وخلط الأوراق فيها تمهيدا لإعادة صياغتها وفق رؤية جديدة قد لا تكون بالضرورة معبرة عن مصالح أهلها ومطامحهم مما يستوجب سرعة سد الثغور، وتحصين البلاد. ومن علامات التضخيم لهذا الملف أو تضخمه الطبيعي ـ بسبب التباطؤ في حله ـ ما شاهدناه مؤخرا من القول بالبحث عن هوية مستقلة تستقطب الحراطين وتجمعهم، أي زيادة التشرذم والتشظي في القاعدة الاجتماعية للدولة، وهو أمر مستهجن من السواد الأعظم من المجتمع ـ حتى الآن ـ ولكن ربما يصبح مطلبا للكثيرين بل مبدءا ثابتا، ما لم يلتفت ـ و بشكل حقيقي ـ إلى هذا الملف ويعمل على إغلاقه نهائيا.
1 التعليقات:
مقال جميل أنت رائع .. بارك الله فيك
إرسال تعليق