السبت، 22 يوليو 2017

ما يتخم الواقع بالخطوب .

أحمد أرجيل 

يقف الإنسان أو المجتمع - عادة - عند كل إشكال أو عقبة تعترض سبيله او تمثل مصدر إرباك أمام مسيرته - سواء كان تأثير ذلك الاشكال  مقتصرا على الفرد او كان منسحبا أثره على الجماعة ككل - متأملا و محللا و معللا و راسما تصورا معيننا يحدد الأسباب و يشخصها و يتتبع انعكاساتها و تداعياتها و يصدر الأحكام عليها واضعا كل ذلك في خارطة طريق يحدد عليها مواقع أقدامه و هوامش خطواته إلى الحل الاصوب و الأنسب الذي يراه .
هذا السلوك نظام فطري أزلي دأبت عليه عليه الأمم و الشعوب تختلف فيه إختلافها في القراءات و التفسيرات و الأحكام تبعا لما تحوز مع علوم و معارف و ما لديها من وسائل توظيفها ، و هو إختلاف يفسر التباين الصارخ بين تلك الأمم في النتائج التي تتحصل عليها من ذات الإشكال او النازلة .
و فطرية هذا السلوك جعلته مرتكزا أساسيا في حياة الناس حتى في أحلك الظروف و لدى أكثر العقول و الثقافات رداءة و من الأمثلة على ذلك من تراثنا المحكي أن المبجلة " فاطمه " العرافه كانت حكيمة "  " ( حله - أنوال ) لا يستغني عن مشورتها و لا يتجاوز رأيها ، و في إحدى رحلات ذلك المحصر الانتجاعية وجد " المرحل ، حمار " ( بتشديد الميم و مداها ، و هو قطعة خشبية هلالية الشكل تتوسطها حفرتان توضع على الرأسين الحادين للعمودين " أركايز " الرافعين للخيمة لتنتصب عليهما بأمان ) . كان ذلك الجسم غريبا و مربكا و مدعاة للقراءة و التحليل ما جعل المرحل يتوقف متسائلا عنه و هل يترتب على وجوده من بأس ، كأن يكون نذير شؤم و ماذا يترتب حياله من فعل ؟ حضرت الحكيمة و عاينت الجسم و أخذتها سنتها المعهودة و التي تعتريها مقدمة لكل فتح عظيم لتفيق بعد هنيهة من الغياب عن الوجود و الموجدات ضاحكة مستبشرة و تلقي على الملإ من حولها إحدى درر تعودها منها بعد كل لوثة عقل و غشاوة نعاس (( هاذ أبلاباس أشهر من شهرت عاملول طاح هون عاكب موته )) .
تنفس الجميع الصعداء فقد رفعت الغمة و نجت الأمة و واصل المرحل رحلة انتجاعه و واصل المحصر النوم في أحضان غفلته . لا أشك في سخافة إيراد القصة سخافة تستمدها من سخافة " فاطمه العرافة " و سخافة حكمتها و كونها مرجعا و أصلا بل إني جازم كما انتم جازمون انها اختلاق من أساسها و لعل ذلك نصيب كل شخصيات الموروث الغبية عندنا من الحقيقة . تيبة ام اكشاط و فاطمة العرافة و بي اسويدي كلها شخصيات وهمية اختلقها المتمردون يلجون تلميحا بالحديث عنها الى المناطق المحظورة و ما لا تقبله جهات نافذة ( سلطة كانت او ثقافة ) تصريحا . و مع ذلك يظل إيرادها  واردا كتدليل على ميل الإنسان إلى أرشفة النوازل و الاستفادة منها .
بيد أن هذا النظام السلوكي الدال على الفطرة السليمة و الذي كان يعمل في بحبوحة من المكان و الزمان يوفرها الانعزال بالموانع الطبيعية و التباعد الجغرافي و محدودية تشابك المصالح و ضعف طرق و وسائط التواصل بين الأمم و الأفراد و حتى في بطء وتيرة توارد النوازل ذاتها بحيث يجد الفرد و المجتمع فرصة سانحة في ظل تلك العوامل للدراسة و التقييم و أخذ العبرة و التفرغ لما هو قادم . أقول إن هذا النظام قد تعرض لإختراق عظيم يتمثل في حرق ممنهج لكل تلك العوامل المساعدة التي توفر فرص القراءة و التمحيص خصوصا ذلك الإغراق اللافت للذاكرة بالنوازل و المشاكل و العقبات التي تظل بفعل كمها  الهائل معلقة دون تشريح او لا تأخذ منه ما يضمن الخروج منها بحل او بعبرة و أصبح الجميع يركض ركضا وراء كل شاردة أو واردة و ينثر سهام كنانته لكل " عانة " ليركض من جديد كلما عنت أخرى قبل أن يوتر قوسه و يرمي الأولى .
فعلى سبيل المثال من منا يستطيع أن يحصي القضايا الهامة التي شغلتنا حيزا من الوقت دون عنها المدونون و شجبها المعارضون و هلل لها الموالون في السنوات الأخيرة الثلاث فقط ، او يذكر لنا من أيها خرجنا بشيء ملموس أصبح مكسبا وطنيا أخذ بالإرادة الشعبية تنحني له هامه و يتحاشاه النظام ؟
ماذا جنينا بعد كل معركة من معارك الإرادات بين باطل النظام وحق الأمة ما لم يكن تأليفا لجهة أو تكرما من مسئول ، من إضرابات عمال اسنيم و الحمالة و الأدوية المزورة ... و هلم جرا ؟ حتى في الأوقات التي تلوح تباشير الهزيمة المحققة للنظام  نتفاجأ قبل حسم المعركة بمعضلة أخرى فنولي أدبارنا للأولى بحجة التحرف لقتال آخر و التحيز الى فئة أخرى فلا نكسب الأخيرة و ننسى الأولى .
تراكم المهملات خطير اخوتي و هو ما نعاني منه و قد تابعت حلقة حوارية في قناة إخبارية عن أحد مواضيع الساعة و دفع أحد الضيوف عن وجهة نظره بحجة كانت - إلى وقت قريب - حاضرة بقوة فقاطعه المضيف بحجة أن ذلك عودة بالأمور إلى تأصيل بعيد غير بناء و هو صادق لأن هذه العودة لم تعد ممكنة و لو تفرغ لها البشر لقضى قدر ما أمضى مراجعة و
 ولتوقفت الحياة .

الجمعة، 21 يوليو 2017

هيبة الدولة : وجهة نظر .

أحمد أرجيل 


هيبة الدولة مفردة كثرة إستعمالها و تميع معناها حتى أصبحت سوط تأديب يقمع به المستبدون كل صوت متمرد رافض ينادي بالحرية و العدالة و الحقوق أو أي قيمة انسانية نبيلة مهدرة تكفلها الشرائع السماوية و القوانين الدولية في عالم تغولت فيه المادة و سطى الظلم على مجريات الحياة و طغى النزوع إلى المصالح الشخصية على حساب الأخلاق و الفضيلة و المصلحة العامة .
    و رغم أن هذا السلوك يكاد يكون نقطة التقاء أو سمة مشتركة بين كافة الأنظمة السياسية فإنها تختلف فيه بإختلافها في النضج و إحترام الإنسان و وسائل توظيف الهيبة ذاتها .
بيد أن " هيبة الدولة " تبقى - رغم ذلك - إحدى أهم مرتكزات الدول التي عليها تقوم و تتأسس و تؤدي مهامها و واجباتها و تستوفي حقوقها و تسير وتيرة الحياة بانتظام ما يبرر الخشونة و يسوغها في بعض الحالات التي تستنفد فيها كافة الخيات الأخرى . من هنا وجب تعريفها تعريفا صحيحا برفع اللبس الذي قد يغشى بصيرة بعض الناس و يؤثر على إدراكه للفرق بينها و بين الخوف الظرفي من بطش الأنظمة الاستبدادية و الانحناء لظلمها و جبروتها في وقت من الأوقات تحكمه ظروف معينة لن تمتد إلى الأبد مهما طالت .
هيبة الدولة هي ذلك الشعور الذي يغمر وجدان المواطن بالاجلال و الاحترام و الثقة في ما تتخذه من قرارات تفرض عليه طواعية الالتزام بها و الوقوف عندها بإعتبارها ضرورات تصب في مصلحته و تتغيى التوسيع عليه و تسهيل حياته فيتجاوز أشكالها الى المضامين و آلياتها إلى الغايات منها . يقترن ذلك الشعور - حتما - بالفخر و الاعتزاز بالانتماء و لا تسأل بعد ذلك عن التفاني و إسترخاص النفس و المال في سبيلها و التقيد الشديد بأنظمتها و الاستعداد للبذل و التضحية كلما أنت أو قالت هل من مزيد . أما الخوف من بطش الأنظمة فقد يفرض شكلا من أشكال الاستقرار و الهدوء و إنتظام الحياة إلا أنه يظل - في ذات الوقت - جرابا حقيقيا يحمل بذور تدميره و معاول هدمه و الإطاحة به تنمو و تتكاثر تحت السطح لا تتهذب بالتنسيق او التلاقح مع المحيط الذي يعي ضرورة التغيير المحسوب بحكم السرية التي يفرضها الخوف و الانضباط المزيف .

السبت، 15 يوليو 2017

تصحيحا لمفهوم العلاقة بالنظام



أحمد صمبه الرجيل
تتسع مساحة و مجال الاحتكاك بين المواطن الموريتاني و النظام بسعة و حجم المساحة التي يمتد البلد عليها أي 1030700كم مربع توفر هامشا و مجالا خصبا للتناول - جرحا أو تعديلا و نقدا او تزكية - في فضاء رحب يتقاسم - و إن بنسب متفاوتة - الإهمال التام و أنصاف الاهتمام . 
هذه الشمولية المتاحة تحد - بل تنفي - الفائدة من الحديث عن الإنجازات في الخصوصية الضيقة للقرية أو المدينة أو حتى لعموم الولاية . من هذا الاعتبار أو المنطلق كنت أتحاشى الزج باسم " شكار " كلما أردت الإدلاء بدلوي في نقد الواقع العبثي المزري الذي يتخبط فيه البلد منذ أمد و الذي يتفيأ منه شكار صدر الظل و يحتل صدارة الإهمال .
قد يكون الأمر مجديا - و الحديث هنا عن التثمين و النقد في النطاقات الضيقة - لو جاء في معرض الحديث عن منتخب محلي ظله ( مسئولياته ) يقتصر على دائرته المنتخبة ( بكسر الخاء ) و لا نفوذ له خارجها و لا إلتزامات قانونية و لا أخلاقية مبنية على التعاقد المعنوي بين البرنامج و الانتخاب ، بل من الجرم أن يكون له تأثير خارجها مستمد من صفة " منتخب " ( بفتح الخاء ) لأن تلك النطاقات و الدوائر تمثل - بشكل او بآخر - حدودا واجبة الاحترام لا يجوز تخطيها إلا وفق طقوس محددة و بروتوكولات ناظمة. 
لكن الأمر يختلف - جذريا - عندما يتطرق الحديث إلى تقييم أداء النظام تثمينا أو نقدا فلا بد للحديث حينها أن يتسم الشمولية و يتعالى على " النقيعات " هنا و هناك و التي تدل على أن المطر لم يكن غدقا و لا سحا و أن الانجازات ليست أكثر من هبات تقدم وفق سياقات معينة و اعتبارات خاصة . النظام يملك جواز العبور إلى كل بقعة و عليه ذلك العبور واجب ليزرع من الإصلاح كل ممكن تتيحه الإمكانات المتوافرة و هو بعد ذلك يبقى هدفا مشاعا و مباحا لعين الرقيب و لسانه . وغيابه عن أي شبر تحت مسئوليته القانونية أو السياسية يعد مطعنا عميقا في الكفاءة و جرحا ( بفتح الجيم و سكون الراء ) يمس الصدق و المصداقية . 
بيد أن ضرورة التواجد و الحضور تلك و تقديم أقصى ما يمكن لا يترتب عليها في أعناق المواطنين أي دين للنظام يجب شكره أو يلزم رده لا بالشرع و لا القانون و لا بمنطق العقل المتحرر من قوالب التبعية و التقليد الاعمى. 
فلو سلمنا - جدلا - أن شكار مدينة مكتملة النمو و تعيش كل تفاصيل مدنية القرن 21 من رفاهية في المياه و الكهرباء و الطرق و جودة الخدمات الصحية و تتوفر على كافة مراحل التعليم إلى غير ذلك مما هو معروف و كان ذلك منسحبا على بقية أطراف الوطن فإن ذلك لا يجعل من المواطن غارما للنظام و لن يجعل من النظام أكثر من خيار سياسي ضمن الخيارات المطروحة ينتقي منها المواطن و يختار . فما التوصيف اللائق به ( النظام ) و الحال على ما هو عليه ؟؟؟!!! لا أعتقد أن الجواب في مصلحته و لا يخدم العلاقة مع الناس !
ثمة نقطة أخرى يجب التنبيه عليها تتعلق بالاهمال جعلت من شكار قرية - رغم الموقع و المؤهلات - قرية هامشية و تنسف أي دين للنظام في أعناق الساكنة بل تجعله تحت طائلة المسائلة و ما هي في ذلك إلا ناطقة بلسان حال بقية البلاد و خصوصا منها تلك التي يتوفر على مقومات النهوض و التنمية و تعيش نفس الإهمال كشكار. ذلك أن شكار و ملحقاتها منطقة زراعية و رعوية لم تفتض بكارة خصوبتها - على حد علمي - منذ عشرات السنين أي بعد الجفاف و سنواته العجاف و هو ما يضاعف و يراكم معدل الخصوبة فلو أتجهت أنظار النظام و عزيمته الى هذا المكمن من مكامن القوة الاقتصادية للبلد إتجاهها و بقدر شهيتها الى التعديلات العبثية المرتقبة لأنتج من الحبوب و الخضروات و الأعلاف ما هو كفيل بتحقيق فائض من الرفاهية و لساهم بشكل فعال في العملية التنموية . أين هي هذه المشاريع الطموحة التي تتغيى ذلك الهدف و تنشده و تدفع بإتجاه تحقيقه ؟! 
جدير بالذكر أن ذلك الهدف -رغم طموحه و قصر ذات اليد - ليس مستحيلا فثمة مليارات معلنة سيكلفها الاستفتاء " السفه الخديج " بإمكانها أن تضخ فيه و في غيره من المشاريع التي تمس حياة الانسان بشكل مباشر . كما أن النظام الرشيد - الذي نفتقر إليه للأسف - من مميزاته السعي الدؤوب إلى الاستفادة من المتاح من الموارد - مهما قل - و في هذا الصدد كان عليه أن يحاول الاستفادة من مياه الأمطار التي - مع قلتها - يذهب الكثير منها سدى بتجميعها في خزانات ضخمة بغية إستخدامها في هكذا مشاريع لا شك أنها لن تثمر سريعا الا أنها تدلل على إمتلاك رؤية ثاقبة نيرة تحسن التخطيط و تستغل المتاح و ختاما لهذه النقطة أستحقت شكار بجدارة لقب " جوهرة الامل المنسية " .
يبقى القول في هذا السياق أنني لست مع الرؤى الضيقة و لا أنتمي لقوافل الجهويين الذين باتت تعج بهم الساحة و ما " شكار " إلا قيمة متغيرة ترمز ترمز لعموم الوطن أوجبت المرحلة و السياق تخصيصها بالاسم ، كما يبقى توجيه نداء إلى ساكنة شكار فحواه ألا جميل للنظام في أعناقكم فشكار توجد على هامش الإهمال فمن شاء فليصوت بنعم و من شاء فليصوت بلا و من شاء فليقاطع فالتعديلات ستمر بالشعب و بدونه و هذا وحده كفيل بترجيح خيار المقاطعة لتعرية زيف ديمقراطية مزعومة لا يتوفر منها إلا شكل الصندوق الذي يهرول إليه كل مستبد كلما أراد تمرير نزوة أو تجميل قبيح أو ستر عورة بادية دون إعتبار لما قبل او بعده . وحدها المقاطعة تضمن هزيمتهم النفسية و المعنوية و تذكرهم بماهيتهم التي لا تعدو " مزورين و متسلطين " مهما كسوا باطلهم من نسيج الانتخاب و ما تغزله صناديق الاقتراع ..                                                  أحمد أرجيل 

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More