السبت، 7 مايو 2016

" تلدغ العقرب و تصيئ "




أحمد أرجيل

بادئ ذي بدء أود أن أنوه بالاعتذار الذي قدمه " محمد علي أخيار أنتاجو " عن منشوره الذي تحدث فيه عن تكاثر الحراطين خارج الاطار الشرعي و إلى انقطاع أنسابهم بعد الجد الأول و تحدى كل نخبهم و مثقفيهم أن يذكر أي منهم الأب الثالث من سلسلة نسبه في مقابل تسلسل نسب البيظان و خلوه ـ بالمطلق ـ من شوائب الفرية و اللقيطة ، كما أود أن أؤكد أن هذا التعقيب ليس نكئا للجراح و لا نبشا لما ردمه الرجل باعتذاره من إساءات . و رغم ذلك فمن السذاجة بمكان أن يثار هكذا موضوع يحمل ما يحمل من معاني التجريح و القدح و الانتقاص ثم تستطيع كلمتي " أسحب ، أعتذر " طيه و محو آثاره و كأن الناس الواح ذكية تستطيع أن تكتب فيها ما تشاء كما تشاء وقت ما تشاء ثم تمحوه بمساحة السحب و الاعتذار . كما أستعفيكم ( اطلب العفو ) من الاحالة العدائية للعنوان شكلا لكن مضمونها لا يعدو عندي الاستعارة و المجاز و تسمية الأفعال بمسمياتها .
ما أثاره المنشور ينبغي تناوله في إطار التدافع الثقافي و ذلك يستلزم التعاطي المستفيض الذي يُشَرِّحُ الظواهر تشريحا دقيقا يسبر غورها و يحاول النفاذ من محيطها الشكلي إلى عمقها المعنوي من خلال تمحيص أسبابها و تتبع انعكاساتها على الفرد و المجتمع لعل في ذلك ما يساهم في علاج الآثار السلبية لتلك الظواهر أو ما يشيع و يعزز الجوانب الايجابية لها ـ إن وجدت ـ .
ما كنت لأتوقف عند هذا المنشور لو كان رأيا لصاحبه ـ بغض النظر عن صوابيته من خطئه ـ و لكنت اعتبرته نوعا من  التمترس في ما تبقى من معاقل التمنع و الوهم التي لا تفتأ تتهاوى تحت ضربات الوعي المتزايد بضرورة التغير في الثقافة و السلوك، إلا أن كل ذلك أباه علي ما اعتبرته توظيفا غير مسئول و غير مبرر و غير منصف لحالة تاريخية فرضها واقع مرير بأيد لا ترحم قاهرة لجعل الضحية تتقوقع على نفسها و تحتجب بغيوم عار مفروض دفعت إليه دفعا بفعل الجشع و الاستزادة في الثروة و المنعة ، و اجترارا لماض كان فيه الحرطاني ( العبد ) مفعولا به مجرورا و مدفوعا إلى حيث لا يريد لو كان يعيش في ظروف عادية رغم الطاعة العمياء و الانقياد المطلق رغبة أو رهبة ، و كأن هذا الاجترار يستعير معنى بيت جرير التميمي (( فغض الطرف إنك من نمير @@ فلا كعبا بلغت و لا كلابا )) .
لا شك أن مسألة الانبتات في الصلة بين الطارف و التليد أو بين السلف و الخلف من الآباء و الأبناء كانت صحيحة إلا أن هذا المنحى بالذات يتطلب الاجابة عن سؤال كبير مركزي يجمع شتات هذه المعمعة كلها: ماهي العوامل المنتجة و المؤثرة و الحامية للقيم و الفضائل التي تحكم سلوك الناس و توجهها ؟ القيم مجموعة من القواعد و المبادئ تواضع مجتمع ما على فضليتها و مثاليتها فأتخذها مرتكزا لسلوكه و معيارا لقياس مدى تمسك هذه السلوك بالأخلاق و الفضيلة ،يجازي و يعاقب وفق موقع الفعل منها قربا أو بعدا .
منها ما هو إنساني كالزواج  ـ مثلا لا حصرا ـ بكل صيغه و التي تختلف من شعب إلى شعب أو من ثقافة إلى ثقافة و هو مؤسسة الانجاب الشرعية الوحيدة و الأساس الأخلاقي الأول للتكاثر و خلق المجتمعات التي تحكمها وشائج القربى و تداخل الدماء و و الأنساب و المتجانسة المؤمنة ـ عادة ـ بنفس القيم و الساعية لإشاعتها فيما بينها و حمايتها من الغزو الخارجي أو الخروج عليها من الداخل ، هذا الواقع و ذاك الترابط يلجمان جماح الفرد و إندفاعه في التصرف بنفسه خلافا لما قام الدليل على خضوعه لتلك القيم التي تقوم على توجيه السلوك و تزكيتها و الوصاية عليها . كان هذا المعطى متوفرا لكل شرائح المجتمع في الماضي ما عدا شريحة الحراطين فقد كان يحول الانتقال المستمر بين الاسياد و القبائل ـ بيعا أو هبة أو نذرا إلى غير ذلك من صيغ التنازل و التملك ـ دون تشكيلها لتلك الكتلة المترابطة التي يفرض حضورها في ذهن الفرد الانصياع لإرادتها و ما تملي عليه ـ بفعل الترابط العضوي ـ من توجيه السلوك وفقا لمنظومتها القيمية .
فلكم أن تتخيلوا أدباي ( حي العبيد ) يتبع لحي أو لقبيلة أو جهة و هو في حقيقته فسيفساء منها ما ينتمي إلى خارج حدود الاقليم و لا يربطه من الصلات غير الانتماء لنير العبودية لهذه الجهة أو ذلك الحي أو تلك القبيلة ، فهل يعقل أن تكون عورة فرد منه معبرة عن عورات بقيته في نظرهم ؟ عامل آخر من عوامل الايمان بالقيم و حافز كبير على حمايتها و هو عامل العلم و المعرفة و الذي يستقي منه الانسان السمو و الرفعة و الاخلاق باعتبارها تمثل إرادة الله سبحانه و تعالى فهل كان هذا العامل متوفر لهذه الطبقة و من المسئول عن ذلك ؟ عامل آخر من عوامل الانبتات و القطيعة في النسب و هو بيع الأمة أو سبيها بلا حرب و لا هم يحزنون و هي حامل فتنجب عند المالك  ـ المتملك على الأصح ـ فيكون المنجب دعيا لا يعرف له أب و لا عشيرة ، فلا دعوة الابن لأبيه التي ندب إليها الحق سبحانه و تعالى تعني الناس في هذه الحالة و لا الأخوة في الدين ـ التي توجب صون الكرامة ـ و التي هي بديلة في حال تعذر معرفة الأصل و النسب تعني أحدا هنا بقدر ما يعنيه أن يوجد ميزة لذلك الكائن يتعرف من خلالها أنه المعني بالأوامر و النواهي الواردة إليه .فعلى من يقع هذا المأخذ ؟
أخيرا في هذا المحور لكم أن تتخيلوا عذراء حين برز نهداها غضة طرية غرة لم تميز بعد خيرا من شر ما يعني أنها عجينة طيعة قابلة للتشكل في أي قالب ، متدفقة حيوية و نشاطا و تعج بالغريزة التي هي دليل استواء ينفي الشذوذ و يؤكد انتظام السلوك في طبيعة الاشياء ، تمشي مستعرضة ما حباها الله به من فتنة تغوي أكثر الرهبان رهبانية على مرأى و مسمع من الجميع بل وبمباركة من الجل إن لم نقل الكل ، ترميها الأقدار في واقع لا تحكمه نخوة و لا علم بالله لله ، فهل تتوقعون منها أن تكون مريم العذراء عليها السلام نقاء و طهرا ، أم هل تتوقعون منها أن تدأب على توزيع المتعة في الغدو و الرواح و لا يكون هناك أثر أو ثمرة لذلك التوزيع يتمثل في جيش عرمرم من البنين و البنات ؟ .
خلاصة القول أن ما ذهب إليه ول أخيار أنتاجو لا يخلو من حقيقة لكن من المسئول عن تلك الحقيقة ، و من الذي يجلله عارها ؟
لا تنكس رأسك أيها الحرطاني أيها الحرطاني لأن أمك تعلمت أنها تستطيع أن تأخذ من متع الحياة الجسدية ما تهرب به من شظف العيش و قسوته ، و من أقصر طريق يوفر عليها تعقيدات زواج لن تجده بمفهومها هي  للزواج و إن وجدت فارس أحلامها لا تأمن تغييبه عنها بيعا أو هبة ، فمارست المتاح فأنجبتك دعيا سائبا ، لن يضرك ذنب لم تشترك فيه و قد أثبت هذا الزمن أن الطهارة ليست حكرا على لون كما القذارة و كما البلادة و الذكاء و هلم جرا . (( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسئلون عما كانوا يعملون )) البقرة الآية 134  




        

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More