![]() |
أحمد أرجيل |
تتشكل قطرات مياه
بيضاء في عين العلاقة بين بعض مكونات المجتمع الموريتاني منذ بعض الوقت متحولة
شيئا فشيئا إلى معضلة حقيقية ستؤثر سلبا ـ لا محالة ـ على الرؤية السليمة المفترضة
لشكل هذه العلاقة التي تستمد جذورها من ثلاثية أصل الحقوق في الإسلام فِطْرَةً و
هي ثلاثية الدين و القرابة و الجوار . وتتكون هذه القطرات دائما من سخونة و ارتفاع حرارة القضايا الخارجية و على
رأسها القضية الفلسطينية , فمع كل هبة مستحقة لنجدة الإخوة هناك يجد بعض شركاء
الوطن أنفسهم مسرحا لجملة من الأسئلة المقلقة و المشروعة تماما رغم حساسية و حرج توقيتها
و هي أسئلة تتمحور حول الأخُوَةِ الوطنية و تأثيرها على حياة الناس و تأثرها
بأخُوَّاتٍ أخرى سياسية و ثقافية خارج الحدود و داخل الخط و الأيديولوجيا . أسئلة
من قبيل لماذا غزة ؟ و هي المدينة العصرية التي تعيش في قلب القرن الحادي و
العشرين بكل تفاصيله و معطياته العلمية و التي تتربع على من بنية تحتية تفتقر
إليها عاصمتنا السياسية " نواكشوط " . لماذا الفلسطيني ؟ الذي يعيش في
قلب العالم و يواكب التطور العلمي بشكل حثيث و قد تحملت المؤسسات الأممية و الدول
المانحة معظم تكاليف تعليمه و صحته و إعمار أراضيه . هل يجب أن يكون العدو بشرا
متوحشا محتلا قاتلا تقطر سكاكينه دما حتى يستوجب تدخل الإخوة و مؤازرتهم ؟ ، لماذا ليس
الداخل الموريتاني ؟ حيث تجمعات المواطنين الذين يعيشون على هامش الهامش تفترسهم
الكوارث الطبيعية تباعا و تنقض عليهم قسوة الحياة بذات الأدوات و التكتيك و ينتقل
بينهم الجهل من سلف إلى خلف . لماذا ليس الإنسان الموريتاني ؟ الذي يعيش خارج
الزمن في الأرياف و ينحصر حلمه في أن يجد قوت يومه أما العلاج المناسب و التعليم
اللائق و تأمين الغد فذاك عين الترف الذي لا يمكن لأكثر أفراده تفاؤلا أو جنونا
التفكير به . أسئلة
بطعم الحنظل و ألم الفراق لا يطرحها كره فلسطين و لا عدم الإحساس بما تعانيه إنما
يدفع بها من الأعماق ملفوفة بوشاح سميك من الأسف و الحرج الشعور بالإحباط الناتج
عن فقدان الثقة في الشركاء في ثلاثية الدين و القرابة و الجوار ، فحين ترى خيرات
بلدك ـ حتى و هي أملاك خاصة لأصحابها مطلق الحرية في التصرف بها ـ تهتم بحل مشاكل
الإخوة الأباعد و تغفل همومك و مشاكلك و أنت مغترب ذليل أو طريح مرض عضال في بلدك
و كل حلمك أن تجد شربة ماء أو أن يتوفر لك كفن ، يستعصي عليك كبحها فتنفلت منك
مضرجة بدم الفؤاد . أليس من الأولى و الأجدى أن نلتفت إلى الداخل حتى نؤهل ماديا و علميا و
صحيا و اجتماعيا جيش الفقراء العالة هذا ثم نتطلع به و بإمكانياته إلى التأثير في
حياة الآخرين و قضاياهم إيجابا ؟ . لا
شك أن الوقوف قلبا و قالبا مع الشعب الفلسطيني واجب تمليه العقيدة و روابط القربى
إلا أن الاندفاع إليه بهذا القدر من الحماسة و الذي يقابله برود يصل حد التجمد أو
تعاط بنكهة ذر الرماد في العيون حيال مشاكل يعيشها معظم المواطنين هي أكثر إلحاحا
و أقل تكلفة و أكثر قابلية للتأثر ، يعمق الهوة بين مكونات المجتمع و يلقي بظلال
من الشك على إمكانية إقامة مجتمع متجانس يؤسس لدولة العدالة التي يسترخص الإنسان
نفسه و ماله و ولده في سبيلها ، و يصب حتما في مصلحة قوى التطرف و الإرهاب و يقوي
أسباب التنافر بين المكونات الاجتماعية الأخرى حتى أصبحنا نسمع في خضم هذه
التراشقات من يدير ظهره لفلسطين و من يعلن صراحة أن ترابها أهم عنده من فقراء
موريتانيا و ضعفائها ، و ذلك هو الصريخ و النذير و هو " وميض النار تحت
الرماد " .