الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

الهموم و فقه الأولويات


أحمد أرجيل
تتشكل قطرات مياه بيضاء في عين العلاقة بين بعض مكونات المجتمع الموريتاني منذ بعض الوقت متحولة شيئا فشيئا إلى معضلة حقيقية ستؤثر سلبا ـ لا محالة ـ على الرؤية السليمة المفترضة لشكل هذه العلاقة التي تستمد جذورها من ثلاثية أصل الحقوق في الإسلام فِطْرَةً و هي ثلاثية الدين و القرابة و الجوار .                                                                                                                                       وتتكون هذه القطرات دائما من سخونة و ارتفاع حرارة القضايا الخارجية و على رأسها القضية الفلسطينية , فمع كل هبة مستحقة لنجدة الإخوة هناك يجد بعض شركاء الوطن أنفسهم مسرحا لجملة من الأسئلة المقلقة و المشروعة تماما رغم حساسية و حرج توقيتها و هي أسئلة تتمحور حول الأخُوَةِ الوطنية و تأثيرها على حياة الناس و تأثرها بأخُوَّاتٍ أخرى سياسية و ثقافية خارج الحدود و داخل الخط و الأيديولوجيا . أسئلة من قبيل لماذا غزة ؟ و هي المدينة العصرية التي تعيش في قلب القرن الحادي و العشرين بكل تفاصيله و معطياته العلمية و التي تتربع على من بنية تحتية تفتقر إليها عاصمتنا السياسية " نواكشوط " . لماذا الفلسطيني ؟ الذي يعيش في قلب العالم و يواكب التطور العلمي بشكل حثيث و قد تحملت المؤسسات الأممية و الدول المانحة معظم تكاليف تعليمه و صحته و إعمار أراضيه . هل يجب أن يكون العدو بشرا متوحشا محتلا قاتلا تقطر سكاكينه دما حتى يستوجب تدخل الإخوة و مؤازرتهم ؟ ، لماذا ليس الداخل الموريتاني ؟ حيث تجمعات المواطنين الذين يعيشون على هامش الهامش تفترسهم الكوارث الطبيعية تباعا و تنقض عليهم قسوة الحياة بذات الأدوات و التكتيك و ينتقل بينهم الجهل من سلف إلى خلف . لماذا ليس الإنسان الموريتاني ؟ الذي يعيش خارج الزمن في الأرياف و ينحصر حلمه في أن يجد قوت يومه أما العلاج المناسب و التعليم اللائق و تأمين الغد فذاك عين الترف الذي لا يمكن لأكثر أفراده تفاؤلا أو جنونا التفكير به .                                                         أسئلة بطعم الحنظل و ألم الفراق لا يطرحها كره فلسطين و لا عدم الإحساس بما تعانيه إنما يدفع بها من الأعماق ملفوفة بوشاح سميك من الأسف و الحرج الشعور بالإحباط الناتج عن فقدان الثقة في الشركاء في ثلاثية الدين و القرابة و الجوار ، فحين ترى خيرات بلدك ـ حتى و هي أملاك خاصة لأصحابها مطلق الحرية في التصرف بها ـ تهتم بحل مشاكل الإخوة الأباعد و تغفل همومك و مشاكلك و أنت مغترب ذليل أو طريح مرض عضال في بلدك و كل حلمك أن تجد شربة ماء أو أن يتوفر لك كفن ، يستعصي عليك كبحها فتنفلت منك مضرجة بدم الفؤاد . أليس من الأولى و الأجدى أن نلتفت إلى الداخل حتى نؤهل ماديا و علميا و صحيا و اجتماعيا جيش الفقراء العالة هذا ثم نتطلع به و بإمكانياته إلى التأثير في حياة الآخرين و قضاياهم إيجابا ؟ .                                                                                                                                                            لا شك أن الوقوف قلبا و قالبا مع الشعب الفلسطيني واجب تمليه العقيدة و روابط القربى إلا أن الاندفاع إليه بهذا القدر من الحماسة و الذي يقابله برود يصل حد التجمد أو تعاط بنكهة ذر الرماد في العيون حيال مشاكل يعيشها معظم المواطنين هي أكثر إلحاحا و أقل تكلفة و أكثر قابلية للتأثر ، يعمق الهوة بين مكونات المجتمع و يلقي بظلال من الشك على إمكانية إقامة مجتمع متجانس يؤسس لدولة العدالة التي يسترخص الإنسان نفسه و ماله و ولده في سبيلها ، و يصب حتما في مصلحة قوى التطرف و الإرهاب و يقوي أسباب التنافر بين المكونات الاجتماعية الأخرى حتى أصبحنا نسمع في خضم هذه التراشقات من يدير ظهره لفلسطين و من يعلن صراحة أن ترابها أهم عنده من فقراء موريتانيا و ضعفائها ، و ذلك هو الصريخ و النذير و هو " وميض النار تحت الرماد " .                                                                                                   

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More