تكشف كل هزة تتعرض لها موريتانيا أن انفصاما في الشخصية متأصلا يسكننا و يهيمن
هيمنة مطلقة على تعاطينا معها و ردات فعلنا عليها و يتجلى ذلك بوضوح في التعاطي المقزز
مع الإساءات الدينية و التطاول على الذات الإلهية (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون
)) و مقام النبوة الكريم المعصوم الذي أصبح ديدن البعض و مؤشرا على حركة دائبة تملأ
رويدا رويدا ما فرغ من أفئدة بفعل التوظيف المفضوح للدين و القيم النبيلة و تسخيرها لمآرب
أخرى و بات لزاما على الجميع التعاطي معها بحجم خطورتها و الابتعاد عن دفن الرؤوس في
الرمال و تفسيرها بالتزلف للغرب وكونها أقصر الطرق للحصول على اللجوء . و في الوقت الذي يتخبط فيه البلد و يسير حثيثا على غير هدى إلى غير هدف بسبب
غياب الحكم الرشيد و البروز اللافت للزندقة و الإلحاد و في الوقت الذي يفرض النضج و
التعقل علينا التكاتف حيالها و العمل معا لخلق بيئة صحية تستطيع لملمة الشتات و دهن
الشعث و الوصول إلى درجة من الانسجام ـ ولو كانت بتأجيل المهم لصالح الأهم ـ تمتلئ
فضاءات التواصل الاجتماعي بما يمكن نعته بالتوظيف غير الموفق من حيث التوقيت لخطايا
و سيئات يتجاوز وقعها الحيز الجغرافي و الروحي لموريتانيا إلى مليار و نصف مليار مسلم
في كل أنحاء المعمورة و هو أمر إن لم يتنبه له الجميع سينزع كل شرعية عن أي جهد نضالي
يهدف إلى إعادة التوازن للتركيبة الاجتماعية و إعادة صياغة ثقافة مجتمعية تخدم السلم
الأهلي و الوحدة الوطنية بإنصاف الجميع و بمحو الظلم و آثاره عمن لا يزال يعانيه
. عندما تم تمزيق المصحف الشريف ثارت ثائرة البعض بلا بصيرة و هاجم المصالح العامة
و الخاصة نصرة للقرآن الكريم و كأن أولئك المساكين الذين أوذوا في كتابهم المنزل ومصدر
عقيدتهم هم من مزقوه و هدد هذا البعض ـ بصفته و شخصه و على مرأى و مسمع ممن يعنيهم
الأمر ـ بالويل و الثبور إن لم تقبض الحكومة على الفاعل المستتر مما يعني أن الضمير
العائد إليه تحدد في خيالاتهم فحاكموه و أدانوه بأدلة فهمهم أو أوهامهم و قرروا إلزام
الآخرين التوقيع على حكمهم ذاك . وعندما حدثت جريمة ول أمخيطير أدانه الجميع غير أصوات نشاز على تفاوت في تلك الإدانة
بَيِّنٌ و احتدم صراع مرير بين من أجمعوا على ذلك فطالب البعض بإعدامه حدا و لج في
ذلك و نعته ب ( افريخ لمعلمين ) في محاولة واضحة للتأثير سلبا على (حراك لمعلمين )
الذي بدأ يشق طريقه ثابتا و رقما واعدا في المعادلة الوطنية و تناسى هذا البعض سرعة
تبرؤهم منه و خصوصا أسرته ـ كما قيل ـ و أنه لم يكن ممثلا و لا ناطقا باسمهم حين كتب
مقاله السوءة . وتبرأ
لمعلمين منه تبرأً لم يستطع الإفلات من شراك الكيد فطفقوا يخصفون على غليان المجتمع
و تشدده تجاهه من التعليلات و القراآت الذهنية ما زاد الطين بلة و أنه ما كان ليحظى بذلك القدر من الإدانة لو
كان ينتمي لأحد البيوتات الكبيرة حسب التوصيف الاجتماعي و ذات السجال و الدوران في
الحلقة المفرغة تتكرر بعد مصافحة منت أصوينع لبعض الدبلوماسيين و عقدت المقارنات بينها
و بين حادثة مشابهة حدثت مع منت مكناس . ثم كانت الطامة الكبرى و التي يشيب منها الوليد و يطيش من هولها لب اللبيب وهي
إساءة ول إلمامي التي لا تفيها كل نعوت البذاءة نصيبها و ما تستحق من ذلك فكانت فتحا
جديدا لهواة المناكفات و اللجاج و حلبة رحبة لمحترفي العراك و المصارعة و لم تسلم من
تداعياتها خطبة إمام جامع محمد بن سعود و فسرت الصغار و المسكنة الواردتين فيها تفسيرا
متحيزا و متهما و على أنهما دليل حنو و اعذار في حصرية ممجوجة للمعاني اللغوية و إجتزاء
غير مستساغ قال تعالى ((قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ
مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ
سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا
كَانُوا يَمْكُرُونَ )) و في معجم المعاني الجامع: (( المسكنة
: فقر وضعف و حرص على طلب الدنيا )) و كفى به مذمة و لا أزكي الخطيب و لا أنفي عنه
أي شيء يقال عنه لأني لا أعرفه و أمره لا يعنيني من قريب و لا من بعيد و حميتي هنا
للغة و اللغة فقط . يبقى القول أن كفى تماديا
في السذاجة و الغباء و اعتبار الزندقة و الإلحاد تزلفا للغرب و حيلة تستوهب اللجوء
فكل ذلك كذب و دجل تمليه عقدة الكمال التي نعيشها و التي تحتم علينا نكران كل منقصة
نعلم يقينا أنها موجودة وسافرة . كما أنه لمن العجز المفضوح أن نتسمر في مواقفنا و
نتجمد في مواقعنا و لا نستطيع استثمار المشترك بيننا إجماعا و أن نتصيد في ما تعكر
من مياه الحياء و ما تجدب من صحاري النفوس رغم ندرت الطرائد .