![]() |
أحمد الرجيل |
تحول إسرائيل من التكتيك الى الإستراتيجية في التعاطي مع المشكلة
السورية
منذ انطلاق الموجة السورية من الطوفان الثوري
العربي و ما تبعها من إصطفافات طائفية و مذهبية أدت إلى تغير عجيب في لوائح
الأعداء و قوائم الأصدقاء و التحالفات و أدت
إلى خفوت نجم حزب الله و تآكل غير مسبوق
في شعبيته التي بناها منذ إنشائه كمنظمة عسكرية مناهضة لإسرائيل بعد انخراطه
الرهيب و الدموي في تلك الموجة و التي قطعت أيضا الحبل السري بين فصائل المقاومة المسلحة
الفلسطينية من جهة و بين إيران و سوريا الداعمين الأبرز لهذه الفصائل من جهة أخرى
بالتزامن مع تدهور غير مسبوق في علاقة هذه الفصائل في غزة بجمهورية مصر العربية ،
منذ ذلك الحين و أنا أتساءل عما يمنع إسرائيل من التحرك للاستفادة من هذه الظروف
التي لم يَجُدْ الزمان بمثلها من قبل ، فعلى
الرغم من الحيوية و النشاط اللذين ميزا مسيرة إسرائيل منذ قيامها و اللذين تترجمهما
على الأرض حربا هنا و غارة هناك و اغتيالا هنالك إلا أن ذلك ظل يحدث في مناخ عام مجمع
على عدائها و على ضرورة التصدي لها و محاربتها ( شعبيا على الأقل ) الأمر الذي
يجعل من طيشها و عدوانها الدموي في مجمله تكتيكا تظل نتائجه قابلة للشطب و الالغاء
تبعا للتسويات السياسية و التوافقات المحلية و الدولية و في غالب الأوقات تكون اختبارات
دورية لجاهزية الخصوم و لنوع و حجم الردود و
القدرات و الإرادة ( إرادة التصدي و المواجهة ) .
و يبدو
أن إسرائيل كانت تنتظر ـ للإجابة على هذا التساؤل ـ وصول تداعيات المشكلة السورية
إلى نقطة اللاعودة و الطلاق بالثلاث بين طوائف الأمة و مذاهبها و هو ما قدرته فعمدت بلا حياء أو خفر إلى عملية القنيطرة التي راح
ضحيتها ضباط كبار من إيران و حزب الله ( لا يعني ذلك بالضرورة التباكي على
الضحايا رغم أن ذلك ليس جريمة فهم ليسوا
أسوأ من رسامي شارلي على أقل تقدير ) و وسعت على إثرها دائرة حضورها العسكري
في الجولان المحتل بهدف خلق وقائع جديدة على الأرض تستبق بها الصياغة الجديدة التي
تبدو المنطقة مقبلة عليها في خرق سافر لاتفاق وقف إطلاق النار بشهادة الأمم
المتحدة . بهذه العملية وجهت إسرائيل لكمتها الإستراتيجية ـ بعيدا عن التكتيك و
المساومات السياسية ـ إلى جباه الجميع مرة واحدة من إيران إلى الثوار مرورا
بالحكومة السورية و حزب الله و وصولا إلى الشعوب العربية بذات القوة و التأثير كل
حسب موقعه من الجغرافيا السياسية و العسكرية و الثقافية للمنطقة . و مما يرجح أن العملية ليست تكتيكا هو حجمها بحساب
أحجام الضحايا و أوزانهم و بالنظر إلى ما يجب أن تقابل به من ردود ليس من المعقول
الاعتقاد بأن إسرائيل لم تأخذها في الحسبان أو أن تدفعها مقابل تكتيكات الشوط الاول ، خصوصا من طرف إيران التي تتزعم أحد أهم
المحاور العسكرية و العقائدية في المنطقة و التي ما فئت تتبجح بقدراتها العسكرية
المتعاظمة ، و حزب الله أيقونة المقاومة المسلحة ضد إسرائيل و رمز بسالة الجندي
العربي المسلم قبل التورط الدموي الرهيب في سوريا الذي كاد يمحي أي ذكر حسن له في
النفوس و الذي أهدر به رصيده من الشعبية في أسواق الطائفية و بورصاتها ذلك الرصيد
الذي جمعه بدماء أبنائه التي سفكتها إسرائيل في ميادين الشرف و الاستبسال ، و بما
ألحق بها من آلام كانت في حصانة منها إلى وقت قريب ، و الذي قد يسترد بعضا منه عندما يراجع مواقفه من سوريا و يكون رده على
إسرائيل بمستوى التحدي من حيث التصميم على إعادة قطار المقاومة إلى مساره الطبيعي
و وجهته المفترضة . كما تشكل هذه العملية ضغطا إضافيا على النظام السوري الذي لم يتوقف
طيلة أربع سنوات عن قتل شعبه و تدمير مقدراته و هو الذي أنكفأ إلى الداخل منذ عقود
و أدار ظهره لإسرائيل تمطره اللكمات بمناسبة و بغير مناسبة دون أن تتجاوز ردوده القول بأنها ((ستكون في
الزمان و الكمان المناسبين )) ! . كما أنها ( العملية ) تعيد إثارة الشكوك حول
طبيعة الهدوء الذي تشهد منه جبهة الجولان ما لم تعرفه سيناء بالرغم من معاهدة
السلام المصرية ـ الإسرائيلية . و لبعض الحركات المسلحة في الثورة السورية نصيبها
من اللوم على علاقة مزعومة بإسرائيل ما يستلزم الدخول في نوع من المواجهة معها
دفعا للشبهة و دحضا للتهمة . أما النظام الرسمي العربي الذي ذرف الدموع الحارة
مشكورا ! على ضحايا عملية شارلي فعليه أن يبرهن على أن عداءه للنظام السوري و حربه
على الإرهاب لا يعنيان التحالف مع إسرائيل و لا دعم إرهاب من نوع آخر . أما الشعوب
العربية فعليها أن تتساءل عن مدى صوابية الاقتتال المذهبي و التخندق الطائفي الذي
وجدت نفسها غارقة فيه من أخمص القدم إلى أعلى الرأس و عن الفائدة المجنية من الغوص
في الأحقاد التاريخية و الصدامات العقائدية التي آن لها أن ترحل إلى الدار الآخرة
و سيحكم الله فيها و هو خير الحاكمين . هل استطاعت الأمة طيلة أربعة عشر قرنا بما
تخللها من فترات القوة و الهدوء أن تردم الهوة العقائدية أو تحل الخلافات المذهبية فكيف ترمي إلى ذلك حبل أمل الآن و هي في أشد فتراتها ضعفا أكثرها فوضى و اضطراب ؟
و بم ؟ بفوهات البنادق و أنصال السيوف ! و
هل خلافة الله في الأرض و عمارتها تتطلب منها امتشاق السلاح و التفاني حتى الفناء
دفعة واحدة و هل في ذلك إعلاء لكلمة الله ؟ إن الأمة تمتلك موروثا في التسامح و دروسا
عديدة تشهد لها حقبة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ـ مثالا لا حصرا ـ
و موقفه من الخوارج و هم من أكثر
الفرق تشددا و أسرعها إلى السيوف و أشدها استماتة عند اللقاء و وفاء للمبدإ . أخيرا
هل سيكون رد إيران مزلزلا كما قالت أم سيكون مقايضة سياسية لحلحلة ملفها النووي و
إطلاق يدها في اليمن من خلال التمدد الحوثي الذي أغمض الجميع عيونهم عنه حتى الآن ؟