الجمعة، 13 مارس 2015

اضراب اسنيم: عائلات تتضور جوعا.. ومصارف مهددة بالافلاس!!



المرابط ولد محمد لخديم 
كنت غارقا في البحوث لمؤسسات خارجية فأنا دائما أعمل في موريتانيا لمؤسسات في الخارج بوسائط الانترنت والتحكم عن بعد وعادة لا تربطني عقود عمل مع الدولة الأمر الذي جعلني لا أهتم لكثير من القضايا التي تحدث من حولي ..وكثيرا ما تكون هذه الأمور سياسية أو تطبخ بطبخة سياسية...وكنت أسمع بقضايا اضراب العمال ولذي لم تهتم به المؤسسة الاعلامية اهتماما بقدر الحدث... ربما لأنها لا تعرف الكثير عن شركة اسنيم أم لقضايا ومآرب أخرى...
 غير أنني لم أتصور في حياتي أن أسمع بتوقف لإنتاج وتصدير الحديد بشكل تام..
 لكن يبدوا أن هذه هي الحقيقة ففي يوم الخميس الأسود الموافق 05 ـ 03 ـ2015، تم توقف انتاج وتصدير الحديد في مدينتي أزويرات وأنواذيبوا....
 كان هذا الخبر كالصعقة علي ذالك أنني من أبناء هذه المدينة وأعرف ما تعنيه لأهل أزويرات خاصة وللشعب الموريتاني عامة...
 رجعت قليلا الى مقالات كنت قد كتبتها عن مدينة (أزويرات ) ولماذا تم تهميشها؟ رغم أنها هي الرئة التي تتنفس منها موريتانيا, الأول بعنوان:مدينة أزويرات بين لسان حال الاهمال ولسان مقال الانفصال!!
 حاولت من خلاله أن أبين كيف أن ساكنة أزويرات لم تستفد من خدمات اسنيم في استثمار الفائض الحاصل من ارتفاع سعر الحديد في تحسين ظروف العمال وربطها بالعاصمة أنواكشوط عبر طريق مسلفت واقتناء معدات جديدة قادرة على تحسين الانتاج وكسب مزيد من الثقة في الأسواق العالمية...وأنهم أصبحوا أكثر ارتباطا بالجزائر والمغرب والصحراء الغربية من ارتباطهم بالعاصمة أنواكشوط..
 أما المقال الثاني فهو بعنوان:طريق أزويرات أنواكشوط أسمع جعجعة ولا أرى طحينا!! أردت من خلاله أن تفك الدولة بواسطة فائض الشركة العزلة عن مدينة أزويرات بانشائها للطريق الرابط بين أزويرات وأطار البالغ 300كم على نمط الطرق التى مولتها في الشرق والغرب الموريتاني وبمواصفات عالمية فإذا هي تفاجؤنا بشركات وطنية لا تعرف الكثير عن صيانة الطرق فأحرى بإنشائها!!!
 لكن لم يخطر على بالي أن الدولة تتنكر لمطالب مشروعة من عمال بذلوا الغالي والنفيس في انشاء شركتهم لشعورهم أن ارتباطهم بها بات عضويا وأن مصيرهم في اصلاحها وأزدهارها..وفضلت الحكومة الاستماع الى بيانات كاذبة تقول فيها ادارة الشركة بأن الإضراب لم يؤثر سلبا على الإنتاج، بل انه قد زاد في فترة الإضراب أليس أولى برئيس الجمهورية وقد شاهد كذب هذه التقارير أن يجتمع بكافة أطراف الأزمة وأن يديرها بنفسه باتخاذه لقرارات صارمة قبل أن تصل شظايا الأزمة الى كافة مفاصل الدولة الحيوية!!
 ليسا منطقيا أن الرئيس ليس على دراية بما قد تنجر عنه هذه الأزمة:
 فأول ضرر سيلحق بالمؤسسات المالية لأن فقدان السوق المحلية لمدينة ازويرات لدخل العمال المضربين والذي كان يوفر سيولة تسهل حركية السوق والمضاربات والصفقات...سينتج عنه تحول هذه المصارف إلى مجرد مؤسسات قروض...
 فسياسة البنوك تقوم أساسا على جانب الايداع وفي حالة انعدامها فلاشك أن القروض المتأخرة الدفع ستؤدي في النهاية الى افلاس المصارف.وستتضرر الميزانية الموريتانية حيث أن الشركة تساهم ب23 بالمائة من الناتج الاجمالي و50 بالمائة من العملات الصعبة ..
 أما الاقتصاد المحلي فتضرره واضح حيث كان يعتمد على مصدر دخل كبير يوفره سكان المدينة وخاصة أن أغلبهم يعمل في مناجم ومنشآت الشركة ...
 وقد أخبرني اليوم أحد سكان أزويرات أن البضائع الضرورية نضبت في السوق نتيجة لتوقف القطار عن العمل والنقل بين مدينتي نواذيبو وازويرات الذي كان يزود أصحاب المحلات بالبضائع وحاجيات التجارة المختلفة وخاصة ما يتعلق بمواد مثل الخضروات والدجاج والألبان والفواكه والمعلبات ، إضافة إلى الماشية من أغنام وغيرها..
 والآن ورئيس الجمهورية يستعد لزيارة المدن الشرقية ماذا سيقول لساكنتها في سنة ندرت فيها الأمطار والتحويلات التى كانت تحول اليهم من أزويرات وتعول آلاف الأسر تضررت بفعل الاضراب...
 ليس صحيحا التذرع بانخفاض أسعار الحديد في العالم فالشركة دائما تتخطى هذه الأزمات رغم الظرفية الاقتصادية الصعبة...لكن اقحام الشركة في التجاذبات السياسية هو الذي أوصلها الى هذه الوضعية..
 والخطورة تكمن في استجلاب خبراء من الخارج وتعويض العمال بعمال متدربين لم يكملوا تكوينهم ومتقاعدين بلغوا من السنين عتيا.. ماذا لو انهارت هذه الأجهزة التي يبلغ سعرها المليارات؟ من خطوة عمياء من متدرب غير كفؤ ومن المسئول عن هذه الخسارة؟ وهل يسكت العمال على هذا التصرف؟
 يجدر بالدولة أن تراجع سياستها اتجاه هذه الأزمة بفتح الحوار من جديد مع العمال بعيدا عن سياسة كسر العظم الذي يروج لها البعض فكلنا في سفينة واحدة مصلحتنا واحدة والصلح خير والزمن بدأ ينفد بعد أن أصيبت الشركة بشلل كامل.
 فهل يتدخل رئس الجمهورية لحل هذه الأزمة ؟ّأم أنه سيترك بعض من شعبه واقتصاده ينهار؟!

مساعي إعاقة "سنيم" جريمة كبرى فى حقّ الوطن



محمد ولد محمد لوليد: أستاذ/ مكلف بمهمة في وزارة التهذيب الوطني
تعتبر الشركة الوطنية للصناعة والمناجم، الرافعة الأولى للاقتصاد الوطني، وفاعلا اجتماعيا محوريا في موريتانيا؛ وخاصة في المناطق الشمالية الممتدة من الزويرات إلى نواذيبو.
ولئن كان البحث عن العوائد المادية وتحقيق الأرباح هو الشغل الشاغل والهدف الأوحد لأية شركة صناعية أو تجارية في العالم؛ فإن شركة "سنيم" تمثل، بجلاء، الاستثناء الذي يؤكد تلك القاعدة.. ذلك أن الشركة المنجمية الموريتانية تولي عناية كبرى لعمالها، بكافة فئاتهم ومستوياتهم وتخصصاتهم؛ حيث توفر لجميع عمالها وعائلاتهم التغطية الصحية المجانية بشكل كامل، إلى جانب السكن والمواد الاستهلاكية الضرورية بأسعار مخفضة، مدعومة بنسبة 30%.
وتستفيد ساكنة مدينة الزويرات من التوزيع المجاني للماء الشروب والطاقة الكهربائية؛ مثلما تستفيد المنشآت الصحية والتعليمية في المدينة من دعم معتبر تقدمه "سنيم".
وفي هذا السياق أنفقت الشركة، خلال السنوات الخمس الأخيرة وحدها، ما يزيد على 25 مليار أوقية لإنجاز جملة من المشاريع الخدمية الهامة لصالح العمال والساكنة؛ حيث شملت تلك المشاريع قطاعات حيوية من قبيل معالجة المياه المالحة، وبناء شبكات للماء الشروب وتوفير الكهرباء في الأحياء النائية بمدينة الزويرات، وبناء محطة لتوليد الطاقة الشمسية تبلغ طاقتها 3 ميغاواط؛ وإنجاز المطار الجديد، وعصرنة الخدمات الطبية، وبناء محطة لمعالجة مياه الصرف، وبناء 300 وحدة سكنية..
ولم تنحصر مشاريع شركة "سنيم" الاجتماعية على مدينة الزويرات؛ حيث وفرت مياه الشرب بشكل مجاني، أيضا، لسكان مدينة افديرك.
ونظرا للمكانة التي توليها الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (سنيم) للجانب الاجتماعي والخدماتي من نشاطها؛ أنشأت هيئة خيرية لهذا الغرض؛ أنفقت خلال الخمسية المنصرمة 1,5 مليار أوقية على مشاريعها الاجتماعية في الزويرات.
وتضمن جدول إنجازات خيرية "سنيم"؛ ضمن أمور أخرى، إعادة تأهيل وتجهيز المستشفى الجهوي بالمدينة المنجمية، وإهداء سيارات إسعاف مجهزة للبلديات الواقعة على طول خط الزويرات ـ نواذيبو، وتوفير الأثاث والمستلزمات الدراسية لمؤسسات التعليم في تلك البلديات.
وبموازاة كل هذا العمل الجبار وتلك الإنجازات الميدانية لصالح ساكنة كل من الزويرات وافديرك، والبلدات والقرى الواقعة على طول خط سكة القطار المنجمي؛ كان لشركة"سنيم" وخيريتها دور بارز في دعم الفئات الاجتماعية الهشة على مستوى مدينة نواذيبو؛ العاصمة الاقتصادية للبلاد، ومقر الإدارة العامة للشركة وميناء تصدير خامات الحديد نحو الأسواق العالمية.
وفي هذا المضمار، تولت الشركة بناء المستشفى الجهوي الجديد في المدينة الساحلية؛ وهو منشأة استشفائية تبلغ سعتها 250 سريرا؛ بكلفة إجمالية بلغت 2,5 مليار أوقية قدمتها الخيرية بالكامل.
كما مولت خيرية "سنيم" بناء السوق البلدي الجديد في المدينة، بكلفة بلغت 110 ملايين أوقية؛ حيث يضم 44 محلا تجاريا و3 عنابر بيع السمك واللحوم والخضروات.. ويتميز السوق بكونه يتيح لسكان حي التخطيط الجديد التسوق عن قرب وتجنب عناء التنقل نحو أسواق وسط المدينة البعيدة.
كما تجلت عناية الشركة الوطنية للصناعة والمناجم بالفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة في تكفل هيئتها الخيرية بالأيتام من أبناء عمالها المتوفين وغيرهم من أيتام المدينة. ولعل خير مثال على ذلك ما قدمته الخيرية لهؤلاء من مواد عذائية استفاد منها قرابة مائة يتيم أواخر العام المنصرم؛ من خلال حصولهم على كميات معتبرة من الأرز والزيت والألبان والتمور والمعجونات الغذائية ذات الجودة.
ومن تجليات اهتمام الشركة باستمرار العلاقة الوطيدة مع عمالها، والحرص الدؤوب على خدمتهم حتى بعد انقضاء فترة عملهم؛ توزيع مبالغ نقدية لمكتب متقاعديها في الزويرات، بمناسبة الاعياد الدينية؛ بهدف التخفيف من أعباء تلك الأعياد وإدخال الفرحة إلى أسر هؤلاء المتقاعدين. وتستفيد من مثل هذه الهبات قرابة 815 عائلة مقيمة في مدينة الزويرات ويعيلها متقاعدون من شركة "سنيم"؛ فيما غيب الموت معيلي أزيد من 120 منها يحصلون جميعا على مخصصات التقاعد التي تؤمنها الشركة لهذه الفئة من عمالها.
إن السعي لإعاقة شركة وطنية بحجم ومستوى "سنيم"؛ هو في اعتقادي، محاولة صريحة لشل هذا الشريان الحيوي الدافق الذي طالما زود سكان مناطق الشمال بأهم مقومات الحياة؛ وضمن استمرارية نبض قلب الجسم الاجتماعي في الزويرات وافديرك واتواجيل، وشوم، واتميميشات وإنال وإنال ونواذيبو.
ولئن كان الإضراب، من حيث المبدأ، سلوكا نقابيا طبيعيا، وظاهرة صحية معتادة؛ فإن ما نشهده اليوم من إصرار مكشوف على شل نشاط الشركة الوطنية للصناعة والمناجم؛ وبالتالى إنزال عقاب جماعي بسكان تلك المناطق الشمالية من البلاد، وتجفيف منابع دخل آلاف العمال والأطر، لا يمكن اعتباره عملا نقابيا مشروعا أو مبررا؛ خاصة حين يقترن بحرمان آلاف الأسر، ومئات الأيتام والمرضى والمحتاجين، من خدمات توفر لهم بشكل مجاني دائم، هم في أمس الحاجة إليها. ولربما أمكن القول، دون مبالغة، بأن مثل هذا التحرك قد يرقى إلى مستوى "خيانة" الأمة، إن لم يكن جرما يقترف بحق الإنسانية؛ خاصة وأنه يأتي في ظرفية بالغة الصعوبة بالنسبة للسكان، إذا ما أخذنا في الحسبان شح المياه في المناطق الشمالية، وتداعيات ضعف التساقطات المطرية خلال الموسم الأخير، بل والمواسم التي سبقته.
إضراب من شبه المستحيل استساغة الحجج التي يرفعها من يقفون وراءه، بالنظر، إلى الانخفاض المذهل والمفاجيء في سعر خامات الحديد، والظروف التي تحرص شركة "سنيم" على توفيرها لعمالها، سواء من حيث الرواتب والعلاوات، أم من حيث الامتيازات والخدمات الاجتماعية المتعددة.
ويكفي أن نعلم بأن معدل الزيادات العامة للرواتب والعلاوات خلال السنوات الثلاث الماضية وحدهما تجاوزت 35% وبلغت علاوة الإنتاج من 30% في العام 2013
أما مبالغ التحفيز السنوية، التي تتناسب طردا مع النتائج السنوية فبلغت مستويات غير مسبوقة في تاريخ الشركة، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بالإضافة تزايد وتيرة التقدم في السلم العمالي.
ولم تكتف الشركة بهذه الزيادات والإجراءات التحفيزية؛ حيث تضمنت الامتيازات الاجتماعية التي تمنحها لعمالها تخصيص ميزانية سنوية لهذا الغرض بلغت سنة 2014 ما يناهز 600 مليون أوقية مقابل 400 مليون سنة 2010. وتم رفع ميزانية دعم المواد الغذائية (الأرز، السكر، الزيت، المعجونات، الشاي) إلى 30% منذ سنة 2011. إضافة إلى منح سلف للعمال بمناسبة الأعياد الدينية، تتكفل الشركة بتسديدها عن عيدي الفطر والأضحى.
وتوفر الشركة السكن لعمالها وتمنح علاوة عدم السكن لقدمائها، بنسب تحدد طبقا للأقدمية. وهي تقدم قروضا ميسرة على علاوات السكن لمدة عامين؛ بالإضافة إلى قروض التقاعد التي تقدم قبل الإحالة إلى المعاش بفترة 12 سنة.

هذه الامتيازات التي يحسد عليها عمال اسنيم، تجعل عمّال الشركة غير المضربين، وعمال وكوادر المؤسسات الأخرى، يستغربون نكران جميل "سنيم" واستبدال حنانها وأياديها البيضاء بالمجهول.

الخميس، 5 مارس 2015

سؤال اللحظة: موريتانيا الى أين تسير؟


الدكتور/ ديدي ولد السالك رئيس المركز المغاربي للدراسات

ولدت موريتانيا كما هو معروف ولادة غير طبيعية ، مما جعلها تولد بعيوب خلقية , وتلك العيوب الخلقية مع الزمن تحولت الى مشاكل بنيوية ، منها عدم شعور النخبة الموريتانية بصيغة الدولة التي تريد ، والقطيعة شبه المستمرة بين السلطة الحاكمة وثقافة البلد ، وغياب رؤية إستراتيجية أي انعدام التفكير في المستقبل وفي طريقة إدارة الدولة .. ماجعلها دائما تدار من خارج حدودها ، وقرارها معلق بالسياسات الفرنسية الإقليمية والدولية .
وبدل ان تتخلص من بعض هذه المشاكل راكمت مشاكل اضافية اصبحت مع الزمن أزمات خانقة منعكسة في ازمة التعليم .. ازمة الهوية الثقافية والسياسية.. مما جعل البلد بعد خمس عقود يدور في حلقة مفرغة ويدار بتخبط وارتجالية .
اليوم البلد يواجه خمس تحديات رئيسية كل تحدي كفيل بالقضاء عليه ، والتحديات هي :
أولا : التحدي الأمني
التحدي الأمني بعضه مرتبط بفواعل داخلية تغذيه كالفقر والبطالة والهشاشة الاجتماعية ، وبعضها مرتبط بفشل الدولة الوطنية في منطقة الساحل عموما والأزمات التي تواجهها .
ثانيا : تحدي الهجرة
الهجرة في موريتانيا ليست هجرة سرية كما في كل العالم وإنما هجرة علنية ،وخطرها يكمن في أنها غير مراقبة أمنيا ، ولاتوجد سياسة ولا رؤية استراتيجية لمواجهتها . ومما يعقد الأمر أكثر أن موريتانيا بوابة لإفريقيا جنوب الصحراء , وبوابة لمنطقة الساحل على الأطلسي ، وبوابة لدول غرب إفريقيا لقربها من ضفة المتوسط مما جعلها بلد عبور وبلد استيطان .
والهجرة ليست مجرد بشر يتحرك فقط ، وإنما تحدي يفاقم الوضع الاجتماعي والوضع الامني والوضع الاقتصادي ، والاخطر من كل هذا انه يهدد هوية البلد ويمزق نسيجه المجتمعي .
ثالثا : تحدي التفاوت الطبقي
ملف التفاوت الطبقي كان يمكن معالجته والتخلص منه عبر سياسات للتعليم تساعد علي الاندماج في الترقي الاجتماعي ، وتطور البلد اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ، الامر الذي لو حصل لساهم في التخلص من آثار ومخلفات التفاوت الاجتماعي .
لكن فشل السياسات العمومية وغياب رؤية استراتيجة لمعالجة هذا الملف جعله يتفاقم ، وتظهر بعض تجلياته في شكل خطاب تحريضي يهدد النسيج الاجتماعي وتماسك مكونات المجتمع ، وبرز اليوم في شكل خطابات فئوية وشرائحية من أبرزها خطاب حراك المعلمين وخطاب حركة ايرا ..
والخطر في هذا الخطاب ليس في انه يطرح مشاكل إجتماعية حقيقية ويدعو لنبذ مخلفات العبودية والاقصاء الإجتماعي ، وهذا حق كل مواطن في أن يدعوا الى تجاوز مخلفات ممارسة الماضي سواء تعلق بممارسة الرق ، او أي ممارسات اقصائية ، لكن الخطر في الخطاب انه يحمل نبرة تحريضية مما يجعله تهديد حقيقي لحاضر ومستقبل البلد .
والذي يحل هذه المشاكل ليس الحل التحريضي وانما الخطاب التصالحي وتقديم سياسيات بديلة لمعالجة هذه المخلفات والنهوض بأوضاع البلد , لأن حل هكذا قضايا متعددة الأبعاد لايتأتي الا من خلال النهوض وازدهار موريتانيا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا .
رابعا : عدم الاستقرار السياسي
من المعروف أن موريتانيا دخلت دورة من عدم الاستقرار السياسي منذ الانقلاب العسكري 1978 ودورة عدم الاستقرار هذه قد طالت كثيرا مما حرم نخب البلد من التفرغ للتفكير في وضع سياسيات مناسبة لتحقيق أهداف التنمية ، فمخاطر عدم الاستقرار السياسي لاتنحصر فقط في عدم استمرار الجهاز الحكومي والاداري ، وانما تفتح المجال للتدخل الخارجي وتستنزف موارد البلد في سياسيات ارتجالية الهدف منها تشريع الحاكم بعيدا عن خدمة المصالح العليا للبلد ، كما انها تشغل النخب في معارك جانبية لاتخدم بالضرورة المصلحة العامة وتلجمها عن التفكير في الطرق والبدائل المناسبة لمواجهة تحديات التنمية والتفكير بشكل سليم في المستقبل .
خامسا : أزمة القيم
ازمة القيم تجعل المجتمع في حالة ضياع وتيه لضياع مرجعياته ، وعدم تحديد الأهداف لأن غياب المرجعيات وعدم تحديد الأهداف تجعل المجتمع في حالة سيوله وغير قادر علي الانتظام في البني والمؤسسات السياسية والاقتصادية والمدنية والاجتماعية التي تضمن خروج الانسان من البني التقليدية الى بني حديثة تعمد العلاقات فيها علي روابط وظيفية بعيدا عن الروابط العضوية التقليدية .
كل هذه العوامل مجتمعة مضاف إليها الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخانقة تجعل حاضر ومستقبل البلد في حالة لايقينية ، ولمواجهة كل هذه الاوضاع ليس هناك خيار سوى العمل علي خلق توافق سياسي حول المرجعيات الأساسية لضمان انتقال ديمقراطي حقيقي ، وجعل النخب السياسية والمدنية والثقافية تتفرغ لهموم التنمية من أجل ضمان المستقبل .


الثلاثاء، 24 فبراير 2015

الجمال


أحكد الرجيل

لا قيمة للجمال إن لم يكن إلها أسطوريا عليا متعاليا ، محتجبا في ملكوته بأستار أنواره ، ومدَّثِّرا حللا من جلاله و بهائه ، دونه للأبصار كلل ، وله في البصائر هيئة وتشكل . يتنزل أمره على العشاق وحيا و الهاما فتخر له كلماتهم سجدا و قياما ، في محاريب العشق و الهيام ، الطهر ،  ترتفع أكفهم إليه تضرعا ، و تهفو إليه قلوبهم أملا و رجاءا ،  كل له مأرب و مطلب و مراد و مطمع ‘ فلا يزداد إلا تمنعا و تعاليا ، و لا يزدادون به إلا تعلقا ، و لا إليه إلا تطاولا ،  فلما أعياهم مطاله ، و أعجزهم مناله  اكتفوا منه بالهامه ، فاستنسخوا له في حياتهم صورا و أشباها صاغوها بخيالاتهم من ظله ، و أودعوها أشجانهم منه ، و أشواقهم إليه ، فكانت آيات  من الحسن و الروعة و الابداع  ، و كانت همسات تسبيح و تمجيد حيية تستسقي الغيث وتنشد المودة في أيما طهر  ، بعيدا عن صرخات المتفاحشين الذين لا يرون في الجمال أكثر من وعاء لتفريغ الشهوات ، و إرضاء النزوات ،  و بعيدا عن لوك أفواههم  لعرضه  و إن تعللوا بالإشادة و الإطراء ، فالإشادة الحقة به تتجلى في سجدة مؤمن ، و تعظيم خائف ، و دعاء راج . فلا كان الجمال إن استحال سلعة  تستبضع برخيص القول  وفاحشه . 

الأحد، 22 فبراير 2015

الحوار الوطني : (( جعجعة بلا طحن )) (( أبعيد ذا لتمسوا من ذا اليوجعني ))


أحمد الرجيل

ترتفع الأصوات هذه الأيام منتقدة أو مباركة الحوار الوطني بين المعارضة و الحكومة الذي يزمع إجراؤه في غياب أي معطى يدلل على ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج تعود بالنفع على المواطن في حياته الخاصة و على الوطن عموما في مسيرة التنمية و البناء و ذلك استنادا إلى الأرضية السياسية المهترئة التي يقوم عليها و استنادا إلى المواقع التي يتواجد فيها طرفاه ، فالنظام لا يشعر بأي نوع من القلق على وضعه الداخلي فهو يجمع في يديه كافة خيوط اللعبة و يتحكم بالمداخيل و ينفرد بالقرار و كامل الإمكانات في الدولة  لفرض رؤيته و حلوله و هو يتربع على الكرسي مطمئنا لا يضايقه وعي شعبي ضاغط أو مدرك للحقوق أو مميز ـ حتى ـ  للطبيعة المفترضة للعلاقة بين الحاكم و المحكوم . كما لا يزعجه و جود معارضة مؤسسية متماسكة تستطيع تقدم برامج سياسية واضحة تشكل البديل لما هو قائم , و هوـ علاوة على ذلك ـ أصبح قبلة لكل محبط من أدائها أو فاقد للأمل في التغيير فقرر التحول إلى ركب الانتهازيين .  و هذا الواقع المريض و المنطق الأعوج يدفعان النظام إلى التصلب و الجلوس على الطاولة مستحضرا افتقار المعارضة إلى أي أوراق للضغط و خلو سلتها من أي وسيلة للتأثير و هو الأمر يترجح معه عدم تقديم شيء ذي بال .
أما المعارضة المنقسمة على نفسها و التي لم يطلها من التغيير منذ قيامها غير التحول و التنقل الدائم بين دعم الأنظمة و معارضتها فلا يمكن التعويل عليها في فرض معادلة سياسية تلجم تغول النظام و تخفف من قبضته و ترسي دعائم الحكم الرشيد و هي التي ـ إضافة ضعف البنية ـ تجمع من المتناقضات المشربية و الخلافات الشخصية أكثر مما تتمتع به من المرونة و الاستعداد لتفهم احتياجات المرحلة خارج تصورها هي و الذي أثبت قصوره على أكثر من صعيد و تخلفه عن مواكبة التغيرات الهائلة التي شهدها العالم و انعكاساتها على الداخل ، ولو لم تكن تحمل من العيوب إلا الجمود و الرتابة في هياكلها و مفاصلها القيادية الداخلية لكفى تدليلا على ما ذكرت و هي التي لم تستطع أن تقدم قيادات شابة فاعلة لها رؤيتها الخاصة للأحداث و تصورها للحلول في إطار المشروع الحضاري الذي تتبناه و بقيت ذات الوجوه التي نكن لأشخاصها الاحترام إلا أننا في ذات الوقت نعتقد بانتمائها إلى زمن آخر و أن قدرتها على الإبداع قد  توقفت في لحظة معينة بمعنى أنها على المستوى السياسي قدمت ما تستطيع و لم يعد في جعبتها المزيد ، أقول بقيت هذه الوجوه متصدرة المشهد رغم تأثيرات عامل السن في قدرات الإنسان على التفاعل مع المحيط و مجال الحركة .
و جدير بالتوضيح أن الأمر ليس إقصاء للكبار و لا نكرانا لأدوار بعضهم التاريخية التي هي محل إجلال و إكبار إلا أن هذه الأدوار لا تمنح التزكية الأبدية أو الحصانة من النقد ، و لأن طبيعة الحياة و تقلباتها يفرضان عليهم التراجع إلى الخطوط الخلفية في معركة التنمية التي تحتاج الرجل المناسب في المكان المناسب و التي لا بد لها من الحيوية و النشاط المدفوعين من الخلف بالحصافة و التجربة .
و لا شك أن الحوار مطلب ملح و هو المدخل  الوحيد لكسر الجمود والعدمية في المواقف و لإزالة العوائق و العراقيل التي يوجدها الخلاف و التجاذب إلا أنه ـ رغم ذلك ـ يبقى مضيعة للوقت ما لم يكن الدافع إليه وعي جماهيري يحشد الجهود خلف مطلب التغيير للواقع السياسي العبثي الذي تتخبط فيه البلاد منذ عقود و يترجم ضغطا على النخب المتحاورة حتى تعي أن زمن التأليه و التفويض بلا رقيب قد ولى و أن هذا الشعب يستطيع إنتاج ما يحتاجه بما في ذلك  ممثليه و مسئوليه و ما لم يتم ذلك فلن يتحقق شيء مهم حاور النظام المعارضة أو لم يحاورها و أشركها في الغنيمة أو أقصاها . و سيبقى الولاء للسلطة مقدما على الكفاءة و ستبقى الأخطاء بلا محاسبة و الكوارث تتوالى دون تحقيق جدي يحاسب المقصرين و يردع الإهمال و عدم المبالاة مستقبلا كالحادث الذي أودى بحياة بعض جنودنا تقبلهم الله شهداء و ألهم ذويهم الصبر و السلوان . و ستبقى البرامج التنموية الشحيحة رهنا ببيع الضمائر و تزوير الولاء و يقتصر سيف محاربة الفساد على الخصوم ـ و إن ظل مصلتا فوق رؤوس الموالين ترهيبا ـ ذلك ما يفسر تعاقب الحكومات على هذا الشعب المسكين دون أن يتغير من واقعه شيء إلا إذا كان تبعا لإعتبارات المحسوبية و الجهوية أو ما كان مقايضة من أي نوع .
لقد انقلب الجيش على حكومة الأستاذ المختار ولد داداه رحمه الله و قدم في بيانه رقم واحد الكثير من الأسباب التي دفعته إلى ذلك منها ما يتعلق بالاقتصاد و رفاهية المواطن و منها ما يتعلق بالهوية و الانتماء و الحرب و السلم و الأمن و هي أسباب وجيهة و مبررة للتغيير ـ مع التحفظ على ذلك بالانقلاب ـ إلا أن ما تردت فيه البلاد من تدهور على مختلف الصعد و بلغ درجة الانهيار الكامل  على صعيد الامل في إرساء دعائم دولة حديثة و حكم رشيد في الفترة ما بين الانقلاب و انتهاء الفترة الأولى من حكم الرئيس معاوية من سنة 1978 ـ 1990 فاق ما سوقت به اللجان العسكرية ( للإنقاذ و الإخلاص و التصحيح ) انقلابها من فساد . فمتى تقتنع الأطراف السياسية أن المراجعة أولى و أجدى من الترقيع ؟ و متى يعلم المواطن أنه لن يحقق شيئا ما لم يصبح معطى فاعلا في المعادلة ؟

الجمعة، 23 يناير 2015

تحول اسرائيل من التكتيك إلى الإستراتيجية في التعاطي مع المشكلة السورية .

أحمد الرجيل


تحول إسرائيل من التكتيك الى الإستراتيجية في التعاطي مع المشكلة السورية
منذ انطلاق الموجة السورية من الطوفان الثوري العربي و ما تبعها من إصطفافات طائفية و مذهبية أدت إلى تغير عجيب في لوائح الأعداء و قوائم  الأصدقاء و التحالفات و أدت إلى خفوت نجم حزب الله  و تآكل غير مسبوق في شعبيته التي بناها منذ إنشائه كمنظمة عسكرية مناهضة لإسرائيل بعد انخراطه الرهيب و الدموي في تلك الموجة و التي قطعت أيضا الحبل السري بين فصائل المقاومة المسلحة الفلسطينية من جهة و بين إيران و سوريا الداعمين الأبرز لهذه الفصائل من جهة أخرى بالتزامن مع تدهور غير مسبوق في علاقة هذه الفصائل في غزة بجمهورية مصر العربية ، منذ ذلك الحين و أنا أتساءل عما يمنع إسرائيل من التحرك للاستفادة من هذه الظروف التي لم يَجُدْ الزمان بمثلها من قبل ،  فعلى الرغم من الحيوية و النشاط اللذين ميزا مسيرة إسرائيل منذ قيامها و اللذين تترجمهما على الأرض حربا هنا و غارة هناك و اغتيالا هنالك إلا أن ذلك ظل يحدث في مناخ عام مجمع على عدائها و على ضرورة التصدي لها و محاربتها ( شعبيا على الأقل ) الأمر الذي يجعل من طيشها و عدوانها الدموي في مجمله تكتيكا تظل نتائجه قابلة للشطب و الالغاء تبعا للتسويات السياسية و التوافقات المحلية و الدولية و في غالب الأوقات تكون اختبارات دورية لجاهزية   الخصوم و لنوع و حجم الردود و القدرات و الإرادة ( إرادة التصدي و المواجهة ) .                                                                

  و يبدو أن إسرائيل كانت تنتظر ـ للإجابة على هذا التساؤل ـ وصول تداعيات المشكلة السورية إلى نقطة اللاعودة و الطلاق بالثلاث بين طوائف الأمة و مذاهبها و هو ما قدرته فعمدت بلا حياء أو خفر  إلى عملية القنيطرة التي راح ضحيتها ضباط كبار من إيران و حزب الله ( لا يعني ذلك بالضرورة التباكي على الضحايا  رغم أن ذلك ليس جريمة فهم ليسوا أسوأ من رسامي شارلي على أقل تقدير ) و وسعت على إثرها دائرة حضورها العسكري في الجولان المحتل بهدف خلق وقائع جديدة على الأرض تستبق بها الصياغة الجديدة التي تبدو المنطقة مقبلة عليها في خرق سافر لاتفاق وقف إطلاق النار بشهادة الأمم المتحدة . بهذه العملية وجهت إسرائيل لكمتها الإستراتيجية ـ بعيدا عن التكتيك و المساومات السياسية ـ إلى جباه الجميع مرة واحدة من إيران إلى الثوار مرورا بالحكومة السورية و حزب الله و وصولا إلى الشعوب العربية بذات القوة و التأثير كل حسب موقعه من الجغرافيا السياسية و العسكرية و الثقافية للمنطقة . و مما  يرجح أن العملية ليست تكتيكا هو حجمها بحساب أحجام الضحايا و أوزانهم و بالنظر إلى ما يجب أن تقابل به من ردود ليس من المعقول الاعتقاد بأن إسرائيل لم تأخذها في الحسبان أو أن تدفعها مقابل تكتيكات الشوط الاول ، خصوصا من طرف إيران التي تتزعم أحد أهم المحاور العسكرية و العقائدية في المنطقة و التي ما فئت تتبجح بقدراتها العسكرية المتعاظمة ، و حزب الله أيقونة المقاومة المسلحة ضد إسرائيل و رمز بسالة الجندي العربي المسلم قبل التورط الدموي الرهيب في سوريا الذي كاد يمحي أي ذكر حسن له في النفوس و الذي أهدر به رصيده من الشعبية في أسواق الطائفية و بورصاتها ذلك الرصيد الذي جمعه بدماء أبنائه التي سفكتها إسرائيل في ميادين الشرف و الاستبسال ، و بما ألحق بها من آلام كانت في حصانة منها إلى وقت قريب ، و الذي  قد يسترد بعضا منه  عندما يراجع مواقفه من سوريا و يكون رده على إسرائيل بمستوى التحدي من حيث التصميم على إعادة قطار المقاومة إلى مساره الطبيعي و وجهته المفترضة . كما تشكل هذه العملية ضغطا إضافيا على النظام السوري الذي لم يتوقف طيلة أربع سنوات عن قتل شعبه و تدمير مقدراته و هو الذي أنكفأ إلى الداخل منذ عقود و أدار ظهره لإسرائيل تمطره اللكمات بمناسبة و بغير مناسبة  دون أن تتجاوز ردوده القول بأنها ((ستكون في الزمان و الكمان المناسبين )) ! . كما أنها ( العملية ) تعيد إثارة الشكوك حول طبيعة الهدوء الذي تشهد منه جبهة الجولان ما لم تعرفه سيناء بالرغم من معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية . و لبعض الحركات المسلحة في الثورة السورية نصيبها من اللوم على علاقة مزعومة بإسرائيل ما يستلزم الدخول في نوع من المواجهة معها دفعا للشبهة و دحضا للتهمة . أما النظام الرسمي العربي الذي ذرف الدموع الحارة مشكورا ! على ضحايا عملية شارلي فعليه أن يبرهن على أن عداءه للنظام السوري و حربه على الإرهاب لا يعنيان التحالف مع إسرائيل و لا دعم إرهاب من نوع آخر . أما الشعوب العربية فعليها أن تتساءل عن مدى صوابية الاقتتال المذهبي و التخندق الطائفي الذي وجدت نفسها غارقة فيه من أخمص القدم إلى أعلى الرأس و عن الفائدة المجنية من الغوص في الأحقاد التاريخية و الصدامات العقائدية التي آن لها أن ترحل إلى الدار الآخرة و سيحكم الله فيها و هو خير الحاكمين . هل استطاعت الأمة طيلة أربعة عشر قرنا بما تخللها من فترات القوة و الهدوء أن تردم الهوة العقائدية أو تحل الخلافات المذهبية  فكيف ترمي إلى ذلك حبل أمل الآن و هي في أشد فتراتها ضعفا أكثرها فوضى و اضطراب ؟ و بم ؟  بفوهات البنادق و أنصال السيوف ! و هل خلافة الله في الأرض و عمارتها تتطلب منها امتشاق السلاح و التفاني حتى الفناء دفعة واحدة و هل في ذلك إعلاء لكلمة الله ؟ إن الأمة تمتلك موروثا في التسامح و دروسا عديدة تشهد لها حقبة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ـ مثالا  لا حصرا ـ  و موقفه  من الخوارج و هم من أكثر الفرق تشددا و أسرعها إلى السيوف و أشدها استماتة عند اللقاء و وفاء للمبدإ . أخيرا هل سيكون رد إيران مزلزلا كما قالت أم سيكون مقايضة سياسية لحلحلة ملفها النووي و إطلاق يدها في اليمن من خلال التمدد الحوثي الذي أغمض الجميع عيونهم عنه حتى الآن ؟ 

الاثنين، 12 يناير 2015

من أسباب الارهاب الخلط بين التبرير و التعليل

                                                                                                  
أحمد الرجيل
هناك فرق جلي بين التبرير و إيجاد المسوغ للأعمال الإرهابية التي تستهدف الغرب والشرق على حد سواء متجاوزة الفروق الاجتماعية و الثقافية القائمة بينهما و جاعلة من كل مخالف هدفا مشروعا وشرعيا بصرف النظر عن موقعه الديني و العقدي ، وبين التعليل الضروري الذي يرد في طيات أي حديث موضوعي عنها . ذلك أن التبرير هو إضفاء الشرعية على العمل و الموافقة عليه و تبنيه تصريحا أو تلميحا ، أما التعليل فهو تسليط الضوء عليه و إبراز العوامل المؤثرة فيه سلبا أو إيجابا وتبيان الفتائل التي تسعره و توجه دقته و تتحكم في سلوك صانعيه و مقترفيه دون أن يعني ذلك بالضرورة تبنيه أو الموافقة عليه شكلا أو مضمونا .

يجد المتابع للهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الصحيفة الفرنسية أعماقه مسرحا لجملة من الأسئلة الموجهة إلى دعاة حوار الحضارات لعل أجوبتها تصحح نهجا خاطئا سار عليه العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 م ، ذلك النهج القسري الذي أوجبته العقيدة البوشية ـ و التعبير لديك تشيني نائبه في مأموريتيه ـ و دفعت إليه الجميع دفعا دونما روية أو تفكير، تلك العقيدة التي تقول و بعين حمراء ملؤها التلويح بعصا الويل و الثبور (( من ليس معنا فهو ضدنا )) و التي لم تفسح المجال لأي أحد أو تتيح له متسعا من الخيارات لقراءة ما حدث من زاويته و الإجابة على ما طرحه من تساؤلات بصورة اختيارية بعيدا عن الجبر و التلقين ، أسئلة كان من أبرزها و أبكرها طرحا و أكثرها تعقلا ((لماذا يكرهوننا ؟ )) سؤال كان يمكن أن يكون أصلا تتفرع عنه كافة المقاربات التي تستهدف القضاء على الإرهاب ـ أمنية كانت أم ثقافية ـ و بذات السرعة التي ظهر بها السؤال رغم مركزيته في أي حل مستديم تم سحبه بحجة أنه يقدم المبرر و يوجد العذر للإرهابيين و احتلت مكانه في الصدارة قاعدة بوش فجيشت بها الجيوش و حشدت بها الأحلاف فعربدت فى الكون آلات الموت و الخراب وانحنت لجبروتها الهامات   وانقلبت الدنيا رأسا على عقب و تغيرت العقائد السياسية و رحل كثيرون إلى العالم الآخر ـ حكاما و محكومين ـ و خيم الخوف على كل نفس و في كل مكان ، و كان مركز الجماعات الإسلامية المتشددة وقتئذ أفغانستان و بعض الجيوب هنا و هناك ، أما الآن فهي تتوفر مراكز ثقل معتبرة في باكستان و أفغانستان و مالي و نيجيريا و اليمن و الصومال ، و على مصادر دخل جيدة كالتي لديها في العراق و سوريا ، و الأهم من ذلك أن عمقها البشري لم يعد محصورا في الدول الإسلامية بل أصبح يتمدد باطراد داخل الدول الغربية ما يعني أنها أصبحت شريكا على الأرض ـ بغض النظر عن قيمة أسهمه في هذه الشراكة و حجمها ـ يقنع بنهجه و يجند لأهدافه أنصارا أكثر وعيا و تعلما و خطرا و أعمق فهما و إلماما بالمجتمعات الغربية و أقدر على التواري و تضليل أجهزة الاستخبارات . كل ذلك حققته هذه الجماعات في ظل نهج عام معاد لها عداء معلنا لم يدخر جهدا في محاربتها بهدف القضاء عليها و إنهاءها و كان نصيبه من الفشل عظيما . فإلى متى ستظل عملية كسر الإرادة هذه مستمرة على حساب العقل ؟ لماذا لا يتم وضع حد و سقف لحرية التعبير تأسيا بحدود حرية الانسان التي تنتهي من حيث تبدأ حرية الاخر أو عندما تهدد أمنه و مصالحه ؟ هل فشلت عقيدة بوش و بات من الضروري البحث عن بديل ؟ و أخيرا عود على بدء لماذا يكرهونكم ؟

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More