السبت، 24 أغسطس 2013

نحن والعسكر ( مَكْرَهْنِ بِيكْ يَا شَيْخْ أُمَغْلَ أعْلِيَّ لَبْنْ أنْعَاجَكْ )

الأستاذ / يحيى البيضاوي

تتظاهر الشعوب العربية بأن العقدة الكبرى التي تَحُول بينها وبين شاطئ الديمقراطيات الخضراء هي عقدة العسكر وهي المصيبة الكبرى والطامة الأدهى ... والمتأمل في الواقع العربي يدرك بجلاء تلك العلاقة الوطيدة بين ذوي الأحذية الكبيرة والسياسة ؛ حيث ظلت تلك الجيوش تدير دفة القيادة بشكل مباشر أو غير مباشر في معظم البلدان العربية ما بعد الاستعمار.
ولو استبعدنا العواطف ولغة المصالح الخاصة لأدركنا أيضا أن المؤسسة العسكرية هي أكثر المؤسسات العربية تنظيما وانضباطا ، وهي التي ظلت تحشر أنفها في كل الأزمات المستعصية ولولاها لظلت معظم البلدان العربية تحت وطأة الصراعات العرقية و المذهبية والحزبية إلى ما شاء الله .
وإذا ما واصلنا النقل الأمين عن الغرب الديمقراطي فإننا ندرك بجلاء أن المؤسسة العسكرية في الغرب هي التي وضعت عربة بلدانها على سكة الديمقراطيات الحديثة ، وهي التي أنجزت مؤسساتها وأشرفت على تأسيس الممارسة الديمقراطية وترسيخ ثقافتها ، خصوصا في فرنسا ( الراعي الأول لدول المغرب العربي ) ابتداء من نابليون وحتى ديكول الذي لا زال حزبه في فرنسا من أكبر الأحزاب و أكثرها عراقة في الممارسة الديمقراطية ..
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَو حُ حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ
إذن .. أين المشكل .. ؟
أنا من دعاة التخصص وحيث ينشغل كل ذي تخصص بتخصصه ، وعليه ينبغي أن يكون العسكري ملتزما بواجباته العسكرية مستعدا لنداء الواجب في أي لحظة ، تاركا السياسية للسياسيين ، لكن لا بد أن ندرك أن مرحلة التأسيس تشكل استثناءً ، وهي تحتاج إلى كل السواعد وكل العقول ، وأحيانا تمّحي في ثناياها الحدود وتتداخل المصطلحات فليس من المنطقي أبدا أن نحرم الشعوب من قدرات فلذات أكبادها التنظيمة الهائلة، وخبراتهم الإدارية العالية، وتخصصاتهم الأكاديمية المميزة لا لشيء إلا لأنهم عسكر ..! خصوصا وأن البديل للأسف قطعان تتعارك بغية مصالحها الحزبية أو الفئوية أو القبلية عاجزة إلا عن ما تلتهمه أو تحتوشه تسعى لإفساد البلاد و العباد ، فهذا إفلاس في المنطق لا يقول به ذو عقل .
هل كان أحد يتوقع أن يزول ولد الطائع بدون تدخل الجيش ؟ وهل كان أحد يتوقع رحيل هيدالة من قبله دون تدخل من المؤسسة العسكرية آنذاك ؟ و تعالوا معي ننظر في بلدان قريبة منا كتونس مثلا وليبيا ومصر .. فلو لم تتدخل القوات المسلحة أثناء ما سمي بـ "الربيع العربي" هل كانت ثمة آمال، تستحق المراهنة، في إنهاء تلك المظالم ووضع حدّ لها ؟
إن الديمقراطية ثقافة ، وقيم ، وأخلاق ، قبل أن تكون ممارسة . ونحن قوم بداة صفر اليدين من هذا كله وبحاجة ماسة إلى مؤسسة مهابة ترعى تلك البيئة وتتعهد بذورها ، وقادرة على حماية مخرجاتها الوليدة واستنبات تقاليد التغيير السلمي وترسيخ ثقافته الديمقراطية فيها ، وبمجرد أن تتجاوز بلداننا آلام المخاض وعسر الولادة وتقف مؤسساتها على سوقها ، فلن تجد عسكريا يهم بدخول القصور الرئاسية إلا لتكريمه أو لأداء واجب الاحترام و التقدير لقادة الأمة وساستها . 
           ...................                                                                                     
                 نقلا عن يراع البيضاوي

1 التعليقات:

حية طيبة استاذ يحييﻻ جدال ابدا فيما ذهبت اليه من ان الجيش هو المؤسسة الوحيدة او تكاد تكون المتماسكة في بلداننا العربية و انه ﻻ يجوز حرمان البلد من خبراتها. اما اﻻمثلة التي ضربت من ادوار تاريخية لجيوش قادت قطار الديمقراطية و اشرفت علي التحول اليها و اقامة مؤسساتها فانها محل خﻻف و خﻻف شديد. فبونابرت كان ضابطا في الجيش في دولة ديمقراطية بمقاييس تلك اﻻيام فنصب نفسه امبراطورا عليها وساقها الي حروب مدمرة وجرة معها معظم دول العالم بقرارات فردية موغلة في الدكتاتورية. اما ديگول ففرنسا ان ذاك كانت دولة ديمقراطية اكثر ممن احتلوها ومعظم من حرروها ولكنها كبلد خرج توا من التحطيم بحاجة الي مرحلة انتقالية لحين تشييد بناه و تصفية جيوب الخونة وليس لحراسة الديمقراطية و ﻻ لترسيخها او استنباتها و هو ما اجمعت النخب عليه انذاك. اما جيوشنا ادامها درعا للوطن فاسحضارها ليس في محله اذا كان الحديث عن الديمقراطية و ليس مجرد ازاحة حاكم. لقد انشا هيدالة الهياكل وكانت كما زعم مقدمة لمسلسل ديمقراطي لم نشاهد منه غير تلك الحلقة . و تدخل الجيش تحت يافطة التغيير و تمكين الشعب من امره بقيادة ول الطايع و النهاية معروفة فلم تكن هناك ديمقراطية رغم اﻻنتختبات المنتظمة للرئاسيات و التشريعيات و المحليات اﻻخري. لكنك لم تذكر لنا الحاﻻت اﻻخري التي تدخل فيها الجيش و كان تدخله تدميرا حقيقيا وممنهجا للديمقراطية و الحريات العامة بالمفهوم السياسي و الذي من امثلته اطاحة الجيش المصري الذي هو حديث الساعة بالملكية مطلع الخمسينيات من القرن الماضي و ما اعقب ذلك من دكتاتورية الجيش و من وصايته علي ضمائر اﻻمة و تحكمه في مصائرها. وظل الجيش بعد ذلك متوغﻻ في السياسة و متغوﻻ علي جميع الشركا فيها و منشغﻻ عن مهمته الاصلية في حماية الحدود و الحوزة نا هيك عن التفكير حماية الكرامة و المصالح اﻻبعد. و انتج هذا الواقع سلسسة من الهزائم السياسية والعسكرية و اﻻقتصادية و اﻻجتماعية و اصبحت مصر الحضارة و الزراعة و السياحة مصر اﻻزهر والعلم متسولة تستجدي قوت يومها. وحتي في اﻻوقات التي استيقظت طبيعة الابا و الشجاعة الكامنة في اعماق الجندي المصري و حقق الانتصار و المعجزة في وقته لم يستطع سياسيي الجيش تحويله الي مكاسب اقتصادية نظرا لما كبلوا به انفسهم من اعتماد علي الغير. واذا اقتربنا من منطقتنا و تحديدا حدودنا الشمالية الجارة الجزائر قام بو مدين بانقﻻبه علي بن بلة فهل ورثت الدولة الديمقراطية فعلي مستوي اﻻحزاب القيت كلها ولم تبقي اﻻ جبهة التحرير الوطني وعندما اجريت اول انتخابات جدية بعد اكثر من ربع قرن من الحكم و التحكم لفظها الشعب في ديمقراطية رائعة انقلب عليها الجيش نهارا جهارا صولة و اقتدارا . و استقلت الهند عن التاج البريطاني و انفصلت باكستان عن الهند و لم يقم الجيش الهندي باي انقﻻب فتوطدت الديمقراطية و نفذ الجيش الباكستاني اﻻنقﻻب تلو اﻻخر فلم يستقر شيئ منها حتي اﻻن. و اﻻدهي و اﻻمر ان الجيش اضفي علي نفسه من القدسية ما لم يستطع رجال الدين اضفائه علي شخوصهم و اجتهاداتهم فلم يعد في الامكان انتقاده بل اصبح في مصر خيانة عظمي قد تطير لها الرؤوس. و الحقيقة ان الجيش مؤسسة وطنية مهمة يجب ان تحظي باحترام الجيع لكنها تظل معرضة لوصول الفساد اليها وهو امر مبرر للنقد و النقد الهادف. دمت يا دكتور يا گراي يا مس........

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More